منشوراتهم الدينية وجودهم كالكبريت الأحمر، والعالم العارف بقيمة ما ينشره قليل.
وقد كان دأب بعض الأفاضل أو المصححين التسامح في تحقيق بعض الألفاظ المصحفة في كتب الحديث فطفقوا يفسرونه بما يبدو لهم من قرائن الحال وما تسوق إليه أدلة الظن دون الرجوع في ذلك إلى الأصول واستثباته من نصوصها، وكان ذلك مدرجة للزلل في مقام الاخذ والاستشهاد، فضلا عما يقع في مثل هذا الشطط في تحمل الحديث وروايته.
وكثيرا ما سقط حرف أو كلمة فيقلب المعنى وانعكس على ضد المراد، ويقع القارئ في وحلة لا يكاد يخرج منها. مثلا في النبوي المعروف المروي في التحف و الخصال: قال عليه السلام: " ثلاثة إن لم تظلمهم ظلموك زوجتك وخادمك والسفلة " فسقط هنا " واو " والصواب - كما في التحف - " ثلاثة وإن لم تظلمهم ظلموك - الحديث ".
وربما سقط سطر أو بيت فلا يستقيم المعنى فخبط الباحث في دياجير اللفظ و هام في تيه التعبير فأخذ بنى تقدير وتأويل وتخريج وتعليل مما يقضي بالعناء الثقيل إلى أن يفرغ منه وفي نفسه منه أشياء. مثال ذلك أن صاحب معادن الحكمة أورد في كتابه عن أمير المؤمنين كتابا إلى شيعته قال فيه في ذم الحكمين - أبي موسى الأشعري و عمرو بن العاصي - هكذا " فنبذا ما في الكتاب وخالفا ما في القرآن وكانا أهله " وتكلف المؤلف في توجيهه وقال: " يعني كانا أهل القرآن على زعمهما، أو على زعم الجاهلين بهما، أو يعني بذلك أنهما كانا أهلا لخلاف القرآن " مع أنه سقط هنا نحو سطر والصواب - كما في غيره من الكتب - هكذا " وخالفا ما في الكتاب واتبعا هواهما بغير هدى من الله فجنبهما الله السداد وأهوى بهما في غمرة الضلال وكانا أهل ذلك ".
قال الجاحظ في كتاب الحيوان ج 1 ص 64 طبع بيروت " ربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفا أو كلمة ساقطة فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ و شريف المعاني أيسر عليه من إتمام ذلك النقص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام.
وقد قيل: " إذا نسخ الكتاب ولم يعارض، ثم نسخ ولم يعارض خرج أعجميا ".
وهذا هو الحق المبين، والحق أبلج لا يحتاج إلى زيادة البراهين.