التوحيد - الشيخ الصدوق - الصفحة ٤٣٢
شئ علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك؟ (1) قال الرضا عليه السلام: أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدا من أن تجعل لذلك الضمير حدا ينتهي إليه المعرفة؟! قال عمران:
لا بد من ذلك (2)، قال الرضا عليه السلام: فما ذلك الضمير؟ فانقطع ولم يحر جوابا، قال الرضا عليه السلام: لا بأس، وإن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر؟! فقال الرضا عليه السلام: أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران، أليس ينبغي أن تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهم منه مذاهب وتجزئة كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم (3) فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صوابا.

(1) هذا سؤال عن علمه تعالى بغيره، والمراد بالضمير هو الصورة الحاصلة من ذات المعلوم في نفس العالم، فأفحمه عليه السلام أولا بأن لا بد في الحكم بكون علمه تعالى بالضمير من أن تعرف الضمير وتحدده، فهل تقدر على ذلك، فأظهر العجز، ثم أغمض عليه السلام عن ذلك وتسلم أنك تقدر على التعريف، فهل تعرفه بضمير آخر أم لا، فقال: نعم أعرفه بضمير آخر، فأثبت عليه السلام بذلك فساد دعواه وفرض كون علمه بضمير، وبيان ذلك: أن كل علم بكل شئ لو كان بالضمير والصورة الذهنية لكان العلم بنفس الصورة أيضا بصورة ذهنية أخرى فيلزم التسلسل في الصور ولا يحصل العلم بشئ أبدا، فالعلم بنفس الصورة الذهنية إنما هو بحضور الصورة نفسها، فإذا أمكن أن يكون علمنا ببعض الأشياء بحضوره عند نفوسنا أمكن أن يكون علمه تعالى بالأشياء كلها بحضورها عنده، فليكن ذلك لئلا يتوهم انثلام وحدته تعالى، وإلى هذا أشار عليه السلام بقوله: (يا عمران أليس ينبغي أن تعلم - الخ)، وفي نسخة (و) و (ه‍) (أن تعرف - الخ).
(2) في نسخة (فقال: نعم، قال الرضا).
(3) في البحار وفي نسخه (ه‍) و (ج) و (ب) (تجربة) بالراء المهملة والباء الموحدة في الموضعين وما هنا أنسب بل المناسب، وهذا لدفع دخل مقدر هو أنه لو كان واحدا ليس فيه جهة وجهة فكيف يصدر منه الكثير، فأجاب عليه السلام بأن الصادر منه ليس إلا واحدا وهو فيضه الساري في الماهيات، وليس يتصور منه جهات وأجزاء كما في الممكنات.
(٤٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 ... » »»
الفهرست