ولم يمنعهم إطاقة القبول منه لأن علمه أولى بحقيقة التصديق، فوافقوا ما سبق لهم في علمه، وإن قدروا أن يأتوا خلالا تنجيهم عن معصيته (1) وهو معنى شاء ما شاء، وهو سر (2).
(١) في الكافي باب السعاة والشقاوة: (ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه) وفي نسخة (ط) و (ن) (ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم عن معصيته) وقوله في النسختين:
(ولم يقدروا) لا يناسب قوله: (ولم يمنعهم اطاقة القبول منه) لأنه تعالى إن لم يمنعهم ذلك فهم قادرون على أن يأتوا حالا تنجيهم عن معصيته فالمناسب (وإن قدروا) كما في سائر النسخ، إلا أن في الكافي: (ومنعهم إطاقة القبول) فيناسب.
ثم إن معنى الحديث على ما في الكتاب ظاهر لا إشكال فيه كما قلنا من قبل: إن كلا الفريقين قادرون - الخ، وأما على ما في الكافي فمنع الإطاقة وعدم القدرة على ما ينجيهم من عذابه لأجل عدم المحبة له تعالى بحيث لا ينبعث إرادتهم على القبول لما من عنده من المعارف والأوامر والنواهي وغيرها وعلى الاتيان بما فيه رضى الرب تعال ومع عدم انبعاث الإرادة امتنع القبول والإتيان، وعدم المحبة لأجل عدم المعرفة وهو معلول لعدم التوجه والاقبال إلى الحق وهو معلول للتغافل ثم الغفلة عن مبدئه ومعاده وهو معلول للاشتغال بما عنده من اللذات المادية وما في الدنيا من الأمور الفانية وتوهم أنها مطلوبة نافعة بما هي هي، والحاصل أن امتناع الإطاقة وعدم القوة على الاتيان معلول لمنعه تعالى إياهم محبته فلذا أسنده إلى نفسه، لكن ذلك ليس جزافا وظلما بل لعدم قابلية المحل لمحبته بسبب الاشتغال بمحبة نفسه ومحبة ما يراه ملائما لنفسه، وببيان آخر أن القدرة قد يراد بها كون الفاعل بحيث يصح منه الفعل والترك ويمكنانه، وقد يراد بها القوة المنبعثة في العضلات على الاتيان بعد تحقق الإرادة، ويعبر عنها بالاستطاعة والإطاقة أيضا، والمنفية عنهم في الحديث هي القدرة بالمعنى الثاني، فتدبر.
(2) في الكافي: (وهو سره) والسر يأتي بمعنى الأمر المكتوم والأمر المعزوم عليه، والأصل، وجوف كل شئ ولبه، وعلى نسخة الكتاب فالأنسب المعنى الأول، فمعنى الكلام:
وهو أي هبة القوة للفريقين معنى شاء ما شاء، وهذا المعنى أمر مكتوم عن أفهام العامة. و على ما في الكافي فالأنسب أن يكون بمعنى الأصل، فمعناه: وهو أي معنى شاء ما شاء أصل الأمر فيما قلت لك من شأن أهل المحبة وأهل المعصية.