أظهر لما ذكرنا من تفسير الأئمة ولأنه قد جاء في موضع آخر وأريد به الجماع وهو قوله (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) (1) أما الفسوق فهو السباب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسوق " متفق عليه (2) وقيل الفسوق المعاصي روي ذلك عن ابن عباس وان عمر وعطاء وإبراهيم وقالوا أيضا الجدال المراء قال ابن عباس رضي الله عنه هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه والمحرم ممنوع من ذلك كله قال النبي صلى الله عليه وسلم " من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " متفق عليه وقال مجاهد في قوله (ولا جدال في الحج) أي لا مجادلة وقول الجمهور أولى.
(فصل) ويستحب له قلة الكلام الا فيما ينفع صيانة لنفسه عن اللغو والوقوع في الكذب ومالا يحل فإن من كثر كلامه كثر سقطه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه " قال أبو داود أصول السنن أربعة أحاديث هذا أحدها وهذا في حال الاحرام أشد استحبابا لأنه حال عبادة واستشعار بطاعة فهو يشبه الاعتكاف، وقد احتج أحمد رحمه الله على ذلك بأن شريحا رحمه الله كان إذا أحرم كأنه حية صماء فيستحب للمحرم أن يشتغل بالتلبية وذكر الله تعالى وقراءة القرآن وأمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تعليم جاهل أو يأمر بحاجته أو يسكت فإن تكلم بما لا اثم فيه أو أنشد شعرا لا يقبح فهو مباح ولا يكثر فقد روي عن عمر رضي الله عنه انه كان على ناقة وهو محرم فجعل يقول:
كان راكبها غصن بمروحة * إذا تدلت به أو شارب ثمل الله أكبر الله أكبر. وهذا يدل على الإباحة، والفضيلة ما ذكرناه أولا والله أعلم (فصل) ويجوز للمحرم أن يتجر ويصنع الصنائع بغير خلاف علمناه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الاسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) يعني في مواسم الحج