فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرات كل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم " ههنا فصل " ثم قال الرابعة مقالته هذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اذهب فصل فيه، فوالذي بعث محمدا بالحق لو صليت ههنا لقضى عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس " (فصل) وإن نذر الاعتكاف في غير هذه المساجد فدخل فيه ثم انهدم معتكفه ولم يمكن المقام فيه لزم اتمام الاعتكاف في غيره ولم يبطل اعتكافه (مسألة) (وإن نذر اعتكاف شهر بعينه لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته إلى انقضائه) إذا عين بنذره زمنا تعين لأن الله تعالى عين للعبادة زمنا فتعين بتعيين العبد ويلزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته إلى انقضائه وهذا قول مالك والشافعي، وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أنه يدخل في معتكفه قبل طلوع الفجر من أوله وهو قول الليث وزفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه، متفق عليه، ولان الله تعالى قال (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ولا يلزم الصوم إلا من قبل طلوع الفجر، ولان الصوم شرط في الاعتكاف فلم يجب ابتداؤه قبل شرطه ولنا أنه نذر الشهر وأوله غروب الشمس بدليل حل الديون المعلقة به ووقوع الطلاق والعتاق المعلقين به فوجب أن يدخل قبل الغروب ليستوفي جميع الشهر فإنه لا يمكن إلا بذلك وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كامساك جزء من الليل في الصوم، وأما الصوم فمحله النهار فلا يدخل فيه شئ من الليل في أثنائه ولا ابتدائه إلا ما حصل ضرورة بخلاف الاعتكاف وأما الحديث فقال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به على أن الخبر إنما هو في التطوع فمتى شاء دخل، وفي مسألتنا نذر شهرا فيلزمه اعتكاف شهر كامل، ولا يحصل إلا أن يدخل فيه قبل غروب الشمس من أوله ويخرج بعد غروبها من آخره فأشبه ما لو نذر اعتكاف يوم فإنه يلزمه الدخول فيه قبل طلوع فجره ويخرج بعد غروب شمسه وقوله: إن الاعتكاف لا يصح بغير صوم قد أجبنا عنه فيما مضى (فصل) وان أحب اعتكاف العشر الأواخر تطوعا ففيه روايتان (إحداهما) يدخل قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين لما روي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال " من كان معي فليعتكف العشر الأواخر " متفق عليه ولان العشر بغير هاء عدد الليالي فإنها عدد المؤنث قال الله تعالى (وليال عشر) وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين
(١٢٩)