الحج إلى بيت الله الحرام كان عمري ثمانية عشر عاما عندما وافقت الجمعية القومية للكشافة التونسية على انتدابي للمشاركة في المؤتمر الأول للكشافة العربية والإسلامية الذي أقيم في مكة المكرمة ضمن مجموعة تتكون من ستة أشخاص من كامل الجمهورية التونسية، ووجدت نفسي أصغر أعضاء البعثة سنا وأقلهم ثقافة إذ كان اثنان منهما من مدراء المدارس والثالث أستاذا بالعاصمة والرابع يعمل في الصحافة والخامس لم أعرف وظيفته غير أني علمت أنه أحد أقرباء وزير التربية القومية في ذلك العهد.
كانت رحلتنا بطريق غير مباشر، فقد نزلنا في أثينا عاصمة اليونان حيث أمضينا فيها ثلاثة أيام، ومنها إلى عمان عاصمة الأردن التي مكثنا فيها أربعة أيام وصلنا بعدها إلى السعودية حيث شاركنا في المؤتمر وأدينا مناسك الحج والعمرة.
كان شعوري وأنا أدخل بيت الله الحرام لأول مرة لا يتصور وكان قلبي كأنه يحطم الأضلاع - التي تحوطه - بدقاته العنيفة يريد الخروج ليرى بعينه هذا البيت العتيق الذي طالما كان يحلم به، وفاضت الدموع حتى ظننت أنها لن تتوقف، وخيل إلي أن الملائكة - تحملني فوق الحجيج لأصل إلى سطح الكعبة المشرفة وألبي نداء الله من هناك " لبيك اللهم لبيك هذا عبدك جاء إليك " وقد استنتجت وأنا أسمع تلبية الحجيج أن هؤلاء قضوا أعمارهم وهم يتجهزون ويعدون العدة ويجمعون الأموال للمجئ أما أنا فكان مجيئي مفاجئا على غير استعداد مني، وأذكر أن والدي عندما رأى تذاكر الطائرة وتيقن من سفري إلى