شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٥١
الصواب عندي في هذه القضية ترك الجواب والاعتراف بالعجز عن حل الإشكال الخامس لو كان الفعل حسنا أو قبيحا لذاته لزم قيام العرض بالعرض وهو باطل باعتراف الخصم وبما مر من الدليل وجه اللزوم أن حسن الفعل مثلا أمر زائد عليه لأنه قد يعقل الفعل ولا يعقل حسنه أو قبحه ومع ذلك فهو لوجودي غير قائم بنفسه وهذا معنى العرض أما عدم القيام بنفسه فظاهر وأما الوجود فلأن نقيضه لا حسن وهو سلب إذ لو لم يكن سلبا لاستلزم محلا موجودا فلم يصدق على المعدوم أنه ليس بحسن وهذا باطل بالضرورة وإذا كان أحد النقيضين سلبيا كان الآخر وجوديا ضرورة امتناع ارتفاع النقيضين ثم إنه صفة للفعل الذي هو أيضا عرض فيلزم قيام العرض بالعرض واعترض بأن النقيضين قد يكونان عدميين كالامتناع واللاامتناع وبأن صورة السلب أعني ما فيه حرف النفي لا يلزم من صدقه على المعدوم أن يكون سلبا محضا لجواز أن يكون مفهوما كليا يصدق على أفراد بعضها وجودي وبعضها عدمي كاللاممكن الصادق على الواجب والممتنع وبأنه منقوض بإمكان الفعل فإنه ذاتي له مع إجراء الدليل فيه وإنما لم ينقضوا الدليل بأنه يقتضي أن لا يتصف الفعل بالحسن الشرعي للزوم قيام العرض بالعرض لأن الحسن الشرعي عند التحقيق قديم لا عرض ومتعلق بالفعل لا صفة له وقد بينا ذلك في شرح الأصول السادس لو حسن الفعل أو قبح لذاته أو لصفاته وجهاته لم يكن الباري مختارا في الحكم واللازم باطل بالإجماع وجه اللزوم أنه لا بد في الفعل من حكم والحكم على خلاف ما هو المعقول قبيح لا يصح عن الباري بل يتعين عليه الحكم بالمعقول الراجح بحيث لا يصح تركه وفيه نفي للاختيار واعترض بأنه وإن لم يفعل القبيح لصارف الحكمة لكنه قادر عليه يتمكن منه ولو سلم فالامتناع لصارف الحكمة لا ينفي الاختيار على أن الحكم عندكم قديم فكيف يكون بالاختيار اللهم إلا أن يقصد الإلزام أو يراد جعله متعلقا بالأفعال السابع قبح الفعل أو حسنه إذا كان صارفا عنه أو داعيا إليه كان سابقا عليه فيلزم قيام الموجود بالمعدوم واعترض بأن الصارف والداعي في التحقيق هو العلم باتصاف الفعل بالقبح أو الحسن عند الحصول قال تمسكوا بوجوه الأول إن حسن الإحسان للمعتزلة في كون الحسن والقبح عقليين وجوه الأول وهو عمدتهم القصوى إن حسن مثل العدل والإحسان وقبح مثل الظلم والكفران مما اتفق عليه العقلاء حتى الذين لا يتدينون بدين ولا يقولون بشرع كالبراهمة والدهرية وغيرهم بل ربما يبالغ فيه غير الملبين حتى يستقبحون ذبح الحيوانات وذلك مع اختلاف أغراضهم وعاداتهم ورسومهم ومواضعاتهم فلولا أنه ذاتي للفعل يعلم بالعقل لما كان كذلك والجواب منع الاتفاق على الحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه وهو كونه متعلق المدح والذم عند الله تعالى واستحقاق الثواب والعقاب في حكمه بل بمعنى ملاءمة غرض العامة وطباعهم وعدمها ومتعلق المدح والذم في مجاري العقول والعادات ولا نزاع في ذلك فبطل اعتراضهم بأنا نعني بالحسن ما ليس لفعله مدخل
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»