النقص وسمات الحدوث بمعنى أنه يستحق به الذم والعقاب في حكم الله تعالى سواء ورد الشرع أو لم يرد والجواب أن مبنى القطع على استقرار الشرائع على ذلك واستمرار العادات بمثله في الشاهد فصار قبحه مركوزا في العقول بحيث يظن أنه بمجرد حكم العقل السادس لو لم يكن وجوب النظر وبالجملة أول الواجبات عقليا لزم إفحام الأنبياء وقد مر بجوابه ولقوة هاتين الشبهتين ذهب بعض أهل السنة وهم الحنفية إلى أن حسن بعض الأشياء وقبحها مما يدرك بالعقل كما هو رأي المعتزلة كوجوب أول الواجبات ووجوب تصديق النبي وحرمة تكذيبه دفعا للتسلسل وكحرمة الإشراك بالله ونسبة ما هو في غاية الشناعة إليه على من هو عارف به وبصفاته وكمالاته ووجوب ترك ذلك ولا نزاع في أن كل واجب حسن وكل حرام قبيح إلا أنهم لم يقولوا بالوجوب أو الحرمة على الله تعالى وجعلوا الحاكم بالحسن والقبح والخالق لأفعال العباد هو الله تعالى والعقل آلة لمعرفة بعض ذلك من غير إيجاب ولا توليد بل بإيجاد الله تعالى من غير كسب في البعض ومع الكسب بالنظر الصحيح في البعض (قال المبحث الرابع) لا خلاف في أن الباري لا يفعل قبيحا ولا يترك واجبا أما عندنا فلأنه لا قبح منه ولا واجب عليه لكون ذلك بالشرع ولا يتصور في فعله وأما عند المعتزلة فلأن كل ما هو قبيح منه فهو يتركه البتة وما هو واجب عليه فهو يفعله البتة وسيجئ ذكر ما أوجبوا عليه فإن قيل الكفر والظلم والمعاصي كلها قبائح وقد خلقها الله تعالى قلنا نعم إلا أن خلق القبيح ليس بقبيح فهو موجد للقبائح لا فاعل لها فإن قيل فلا يفعل الحسن أيضا لأنه لا حكم عليه أمرا كما لا حكم عليه نهيا والإجماع على خلافه قلنا قد ورد الشرع بالثناء عليه في أفعاله فكانت حسنة لكونها متعلق المدح والثناء عند الله تعالى وأما إذا اكتفي في الحسن بعدم استحقاق الذم في حكم الله تعالى فالأمر أظهر فإن قيل الذي ثبت من مذهبنا هو أنه لا واجب عليه بمعنى أن شيئا من أفعاله ليس مما أمرالشارع به وحكم بأن فاعله يستحق المدح وتاركه الذم عند الله تعالى والمعتزلة إنما يقولون بالوجوب بمعنى استحقاق تاركه الذم عند العقل أو بمعنى اللزوم عليه لما في تركه من الإخلال بالحكمة قلنا على الأول لا نسلم أنه يستحق الذم عقلا على فعل أو ترك فإنه المالك على الإطلاق وعلى الثاني لا نسلم أن شيئا من أفعاله يكون بحيث يخل تركه بحكمة لجواز أن يكون له في كل فعل أو ترك حكم ومصالح لا تهتدي إليها العقول فإنه الحكيم الخبير على أنه لا معنى للزوم عليه إلا عدم التمكن من الترك وهو ينافي الاختيار ولو سلم فلا يوافق مذهبهم أن صدور الفعل عنه على سبيل الصحة من غير أن ينتهي الوجوب ولهذا اضطر المتأخرون منهم إلى أن معنى الوجوب على الله أنه يفعله البتة ولا يتركه وإن كان الترك جائزا كما في العاديات فإنا نعلم قطعا أن جبل أحد باق على حاله لم ينقلب ذهبا وإن كان جائزا والجواب أن الوجوب حينئذ مجرد تسمية والحكم بأن الله تعالى يفعل البتة ما سميتموه
(١٥٣)