السنة قال وأما السمعيات فكثيرة جدا حتى زعموا أنه ما من آية إلا وفيها دلالة على بطلان الجبر وقد بينه الإمام الرازي رحمه الله في سورة الفاتحة ليقاس عليه الباقي وبلغ الأمد الأقصى في التقرير والمعارضة من جانب أهل الحق ثم ضبط دلائلهم السمعية على كثرتها في عدة أنواع الأول الآيات الدالة على إسناد الأفعال إلى العباد إسناد الفعل إلى فاعله وهو أكثر من أن يحصى فليبدأ من قوله تعالى * (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة) * إلى قوله تعالى * (الذي يوسوس في صدور الناس) * وقد عرفت أن هذا ليس من المتنازع في شيء وزعم الإمام أنه لا محيص عنها إلا بالتزام أن مجموع القدرة والداعي مؤثر في الفعل وخالق ذلك المجموع هو الله تعالى فبهذا الاعتبار صح الإسناد وزال التناقض بينها وبين الأدلة القاطعة على أن الكل بقضاء الله تعالى وقدره الثاني الآيات الواردة في أمر العباد ببعض الأفعال ونهيهم عن البعض ومدحهم على الإيمان والطاعات وذمهم على الكفر والمعاصي ووعدهم الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية وفي قصص الأمم الماضية للإنذار أن يحل بالسامعين ما حل بهم وللاتعاظ والاعتبار بأحوالهم وكل هذا إنما يصح إذا كان للعبد قدرة واختيارا في إحداث الأفعال وقد عرفت الجواب الثالث الآيات الصريحة في إسناد الألفاظ الموضوعة للإيجاد إلى العباد وهي العمل كقوله تعالى * (من عمل صالحا فلنفسه) * * (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا) * * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * * (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها) * وهذا كثير جدا والفعل كقوله تعالى * (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) * * (وافعلوا الخير) * والصنع كقوله تعالى * (لبئس ما كانوا يصنعون) * * (والله يعلم ما تصنعون) * والكسب كقوله تعالى * (ووفيت كل نفس ما كسبت) * * (كل امرئ بما كسب رهين) * * (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) * والجعل كقوله تعالى * (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق) * * (وجعلوا لله شركاء الجن) * والخلق كقوله تعالى * (فتبارك الله أحسن الخالقين) * * (أخلق لكم من الطين) * * (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير) * والأحداث كقوله حكاية عن الحضر حتى أحدث لك منه ذكر أو الابتداع كقوله تعالى * (ورهبانية ابتدعوها) * والجواب أنه لما ثبت بالدلائل السالفة ان الكل بقضاء الله تعالى وقدره وجب جعل هذه الألفاظ مجازات عن التسبب العادي أي من صار سببا عاديا للأعمال الصالحة وعلى هذا القياس أو جعل هذه الإسنادات مجازات لكون العبد سببا لهذه الأفعال كما في بنى الأمير المدينة هذا في غير لفظ الكسب فإنه يصح على حقيقته والخلق فإنه بمعنى التقدير والجعل فإنه بمعنى التصيير وهو لا يستلزم إيجاد أمر محقق مثل جعل الله الدرهم في الكيس وجعل لزيد شريكا وأما على رأي الإمام وهو أن مجموع القدرة والداعية مؤثرة في الفعل وذلك المجموع بخلق الله تعالى من غير اختيار العبد فلا مجاز ولا إشكال
(١٤٠)