المقام وتزييف تأويلاتهم في المطولات وكتب التأويلات والمعتزلة تمسكوا في دعواهم بوجوه الأول أن إرادة القبيح قبيحة والله منزه عن القبائح ورد بأنه لا قبح منه غاية الأمر أنه يخفى علينا وجه حسنه الثاني أن العقاب على ما أراده ظلم ورد بالمنع فإنه تصرف في ملكه الثالث أن الأمر بما لا يراد والنهي عما يراد سفه ورد بالمنع إذ ربما لا يكون غرض الآمر الإتيان بالمأمور به كالسيد إذا أمر العبد امتحانا له هل يطيعه أم لا فإنه لا يريد شيئا من الطاعة والعصيان أو اعتذارا عن ضربه بأنه لا يطيعه فإنه يريد منه العصيان وكالمكره على الأمر بنهب أمواله وكذا النهي فإن قيل مأمور السلطان يتبادر إلى المأمور به معللا بأنه مراد السلطان قلنا لا نطقا بل إذا ظهر إمارة إلإرادة وإنما يعلل نطقا بالأمر والإشارة والحكم الرابع لو كان الكفر مراد الله تعالى لكان طاعة لأن معناها تحصيل مراد المطاع لدورانه معه وجودا وعدما ورد بالمنع بل هي موافقة الأمر وإنما تدور معه علمت الإرادة أو لم تعلم الخامس لو كان مراد الكان قضاء فوجب الرضاء به والملازمة وبطلان اللازم إجماع ورد بأنه مقضى لا قضاء ووجوب الرضا إنما هو بالقضاء دون المقضى ودعوى أن المراد بالقضاء الواجب الرضى به هو المقضى من المحن والبلايا والمصائب والرزايا لا الصفة الذاتية لله تعالى بهت بل هو الخلق والحكم والتقدير وقد يجاب بأن الرضا بالكفر من حيث أنه من قضاء الله تعالى طاعة ولا من هذه الحيثية كفر وفيه نظر السادس الآيات الشاهدة بنفي إرادته للقبائح وبالتوبيخ والرد على من يقول بذلك كقوله تعالى * (وما الله يريد ظلما للعباد) * * (وما الله يريد ظلما للعالمين) * * (إن الله لا يأمر بالفحشاء) * ولا يرضى لعباده الكفر * (والله لا يحب الفساد) * * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * * (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) * الآية وذلك لأن الله تعالى ذم المشركين ووبخهم على ادعائهم أن الكفر بمشيئة الله تعالى وكذبهم وآباءهم في ذلك وعاقبتهم عليه وحكم بأنهم يتبعون فيه الظن دون العلم وأنه كذب صراح والجواب أنه لا يتصور منه الظلم لأن ما يفعله بالعباد تصرف منه في ملكه فالإتيان نفي للظلم بنفي لازمه أعني الإرادة لأن ما يفعله القادر المختار لا يكون الا مرادا وليس فيهما أنه لا يريد ظلم زيد على عمرو لظهور أن المعنى على أنه لا يريد ظلما منه وإما نفي الأمر والرضاء والمحبة فلا نزاع فيه لما في المحبة والرضى من الاستحسان وترك الاعتراض وإرادة الإنعام فهو يريد كفر الكافر ويخلقه ومع هذا يبغضه وينهاه عنه ويعاقبه عليه ولا يرضاه وأما رد مقال المشركين فلقصدهم بذلك الهزؤ والسخرية وتمهيد العذر في الإشراك كما إذا قال القدري استهزاء بالسني وقصدا إلى إلزامه لو شاء الله رجوعي إلى مذهبكم وخلق في عقائدكم لرجعت والدليل عليه أنه قال تعالى * (كذلك كذب الذين من قبلهم) * فجعل مقالهم تكذيبا لا كذبا ورتب عذاب الآباء على تكذيبهم لا كما زعم المستدل ولهذا صرح
(١٤٧)