شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٤٦
القوم داره رغبة واختيارا لا كرها واضطرارا فلم يدخلوا ليس بشيء لأنه لم يقع هذا المراد ووقع مرادات العبيد والخدم وكفى بهذا نقيصة ومغلوبية لنا على إرادته للكائنات أنه خالق لها بقدرته من غير إكراه فيكون مريدا لها ضرورة إن الإرادة هي الصفة المرجحة لأحد طرفي الفعل والترك وعلى عدم إرادته لما ليس بكائن إنه علم عدم وقوعه فعلم استحالته لاستحالة انقلاب علمه جهلا والعالم باستحالة الشيء لا يريده البتة واعترض بأن خلاف المعلوم مقدور له في نفسه والمقدور إذا كان متعلق المصلحة يجوز أن يكون مرادا وإن علم أنه لا يقع البتة وبأن من أخبره النبي الصادق بأن فلانا يقتله البتة يعلم ذلك قطعا مع أنه لا يريد قتله بل حياته والجواب أن هذا تمن لا إرادة فإنها الصفة التي شأنها التخصيص والترجيح وأما الآيات والأحاديث في هذا الباب فأظهر من أن تخفى وأكثر من أن تحصى * (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) * * (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) * * (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم) * * (إن كان الله يريد أن يغويكم) * * (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) * * (ولو شاء لهداكم أجمعين) * * (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) * * (إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) * * (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) * * (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * وللمعتزلة فيها تأويلات فاسدة وتعسفات باردة يتعجب منها الناظر ويتحقق أنهم فيها محجوجون وبوهقها مخنوقون ولظهور الحق في هذه المسألة يكاد عامتهم به يعترفون ويجري على ألسنتهم إن مالم يشأ الله لا يكون ثم العمدة القصوى لهم في الجواب عن أكثر الآيات حمل المشيئة على مشيئة القسر وإلا لجاء وحين سئلوا عن معناها تحيروا فقال العلاف معناها خلق الإيمان والهداية فيهم بلا اختيار منهم ورد بأن المؤمن حينئذ يكون هو الله لا العبد على ما زعمتم في إلزامنا حين قلنا بأن الخالق هو الله تبارك وتعالى وعز وجل مع قدرتنا واختيارنا وكسبنا فكيف بدون ذلك فقال الجبائي معناها خلق العلم الضروري بصحة الإيمان وإقامة الدلائل المثبتة لذلك العلم الضروري ورد بأن هذا لا يكون إيمانا والكلام فيه على أن في بعض الآيات دلالة على أنهم لو رأوا كل آية ودليل لا يؤمنون البتة فقال ابنه أبو هاشم معناها أن خلق لهم العلم بأنهم لو لم يؤمنوا لعذبوا عذابا شديدا وهذا أيضا فاسد لأن كثيرا من الكفار كانوا يعلمون ذلك وكذا إبليس ولا يؤمنون على أنه قال تعالى * (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * يشهد بفساد تأويلاتهم لدلالته على أنه إنما لم يهد الكل لسبق الحكم بملأ جهنم ولا خفاء في أن الإيمان والهداية بطريق الجبر لا يخرجهم عن استحقاق جهنم سيما عند المعتزلة وتمام تفصيل هذا
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»