شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٥٩
النفي (أي هو في الأشياء بالإحاطة) (1) أي بإحاطة علمه بها ونفوذه في بواطنها بحيث لا يخفى عليه ضمائر المضمرين ونجوى المتخافتين وحركة الجفون وخيانة العيون وأسرار القلوب وموارد الغيوب ورجع الحنين وانقلاب الجنين (والتدبير على غير ملامسة) أي بتدبير الأشياء ورعاية مصالحها من غير مماسة بها وملامسة لها; لأن ذلك من صفات الأجسام وقدسه تعالى منزه عن الاتصاف بها.
* الأصل:
2 - علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك اسمه وتعالى ذكره وجل ثناؤه سبحانه وتقدس وتفرد وتوحد ولم يزل ولا يزال وهو الأول والآخر والظاهر والباطن فلا أول لأوليته، رفيعا في أعلى علوه شامخ الأركان رفيع البنيان، عظيم السلطان، منيف الآلاء، سني العلياء الذي عجز الواصفون عن كنه صفته ولا يطيقون حمل معرفة إلهيته ولا يحدون حدوده لأنه بالكيفية لا يتناهى إليه.
* الشرح:

1 - قوله: «أي هو في الأشياء بالإحاطة» تقريب لمعنى العلية إلى أذهان السامعين فإن تصورها لا يخلو عن صعوبة على أكثر الناس. وليس صرف الإحاطة العلمية كافيا في العلية إذ ربما يكون غير العلة عالما كعلمنا بالخسوف والكسوف وبأعضاء بدن الإنسان بالتشريح ولذلك أضاف أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله «أتقنها صنعه» على قوله «أحاط بها علمه» ولما كان بعض الفاعلين عندنا كالنجار والبناء يتقنون صنع ما يصنعون مع عدم كونهم عللا بالمعنى الذي يجب إثباته للباري أعني احتياج المعلول إليه حدوثا وبقاء أضاف (عليه السلام) إليه قوله «وأحصاها حفظه» ثم بين ذلك بما ذكره بعده إلى قوله «كل شيء منها بشيء محيط» يعنى كل واحد من الملائكة الحفظة والرقباء محيط بكل واحد من الأشياء التي فوض إليه تدبيرها وبذلك تم معنى العلية ووضح المقصود، ثم قال: علة العلل هو الذي أحاط بهؤلاء الملائكة الحفظة المحيطين بالأشياء وقد مر سابقا كيفية تعلق المادة بالصورة والصورة بالمبدأ المفارق أعني الملائكة على ما بينه الحكماء ويظهر ذلك ظهورا تاما بتدبر ما ذكروه في القوة المصورة فيقاس عليه غيره، مثلا: إذا تأمل الإنسان في خلق الجنين والحكم التي روعيت في تركيب أعضائه ومزاج كل عضو عرف أن الطبيعة غير الشاعرة غير كافية في تعليل هذه الأمور بل لا بد من موجود عاقل يكون هذه المصالح بتدبيره وإن كان هناك طبيعة فهي مسخرة لذلك الموجود العاقل. قال السبزواري في شرح المنظومة لبطلان استناد هذه الأفعال العجيبة المحكمة المتقنة إلى قوة عديمة الشعور بل هي مستندة إلى الملائكة المدبرين الفاعلين بالتسخير لأمر الله، انتهى. فإذا تصور الإنسان كون هذا الموجود العاقل مع طبيعة الرحم حافظا ورقيبا ومدبرا سهل عليه اثباته في كل موجود على ما ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) «كل شيء منها بشيء محيط والمحيط بما أحاط منها الواحد الأحد الصمد» لا يجب عزل الطبيعة عن التأثير بل عن الاستقلال كما قال الشيخ الرئيس: الصورة علة مع المفارق لإقامة الهيولى، ومثله الحكيم الطوسي بمن يقيم السقف بدعامات. (ش)
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست