وحاصله: أن الابراء المتعلق بالأعيان: إما أن يكون عن دعواها وهو صحيح مطلقا، وإن تعلق بنفسها: فإن كان مغصوبة هالكة صح أيضا كالدين، وإن كانت قائمة فهي بمعنى البراءة عنها عن ضمانها لو هلكت وتصير بعد البراءة من عينها كالأمانة لا تضمن إلا بالتعدي عليها، وإن كانت العين أمانة فالبراءة لا تصح ديانة بمعنى أنه إذا ظفر بها مالكها أخذها وتصح قضاء فلا يسمع القاضي دعواه بعد البراءة. هذا ملخص ما استفيد من هذا المقام ط، وقدمنا قريبا زبدته وزيادة وهو كلام حسن يرشدك إلى أن قول الشارح معناه الخ محمول على الأمانة إلى أن قوله فتصح قضاء فيه أنه باطل والحالة هذه فلا تصح لا قضاء ولا ديانة، بل حملوا إطلاق قولهم البراءة عن الأعيان باطلة على هذه الصورة تأمل.
بقي لو ادعى عينا عليه في يده فأنكره ثم أبرأه المدعي عنها فهو بمنزلة دعوى الغصب لأنه بالانكار صار غاصبا، وهل تسمع الدعوى بعده لو قائمة؟ الظاهر نعم. قوله: (وقد حققته في شرح الملتقى) نصه قلت: وقولهم عن الأعيان لا يصح معناه أن العين لا تصير ملكا للمدعى عليه لا أنه يبقى على دعواه بل تسقط في الحكم إذا كان الابراء مضافا للمتكلم كالصلح عن بعض الدين فإنه إنما يبرأ عن باقيه في الحكم لا في الديانة: أي عن غير ما في غير الذمة إذ لا يسقط بالاسقاط. أما القائم بها فيسقط به، والصلح إما إسقاط للباقي أو إبراء عنه، وكلاهما صحيح في دين الذمة، ولذا لو ظفر به أخذه. قهستاني وبرجندي وغيرهما. وأما الابراء عن دعوى الأعيان فصحيح بلا خلاف ا ه ح. لكن قوله لأنه يبقى على دعواه الخ مخالف لما نقلناه عن شرح الملتقى آنفا عند قوله عن دعوى الباقي.
وفي الخلاصة: أبرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتي فيها أو عن دعواي فيها فهذا كله باطل، حتى لو ادعى بعده تسمع، ولو أقام بينة تقبل ا ه. لكن في قوله لو ادعى بعده تسمع: أي على غير المخاطب كما مر عن البحر تأمل.
والحاصل: أن الذي تعطيه عبارة الكتب المشهورة إن كان الابراء عنها على وجه الانشاء، فإما أن يكون عن نفس العين أو عن الدعوى بها، فإن كان عن نفس العين فهو باطل من جهة أن له الدعوى بها على المخاطب وغيره صحيح من جهة الابراء عن وصف الضمان، فالابراء الصادر في المنقول والعقار إبراء عن الأعيان لا يمنع الدعوى بأدواتها على المخاطب ولا غيره، فافهم تغنم. قوله: (وصح الصلح عن دعوى المال) لأنه في معنى البيع، فما جاز بيعه جاز صلحه. درر.
ولما كان جواز الصلح وعدم جوازه دائرا على أصل وهو وجوب حمل الصلح على أقرب عقد من العقود المعهودة وأشباهها مهما أمكن وصح هذا الصلح لأنه محمول على عقد البيع لاشتراكهما في مبادلة المال بالمال وهي حقيقة البيع، وصح عن دعوى المنفعة حملا على الإجارة وعن دعوى الرق حملا على العتق بمال لاشتراكهما في تمليك المنفعة بعوض في الأول وفي أصل المعنى في الثاني، فيراعى في الملحق ما يراعى في الملحق به مهما أمكن. وذكر فساد صلح الزوج عن دعوى المرأة النكاح وفساد صلح عن دعوى حد الخ بناء على هذا الأصل أيضا، لأنه لما لم يكن الحمل على واحد من العقود المعهودة ولم يكن مصحح آخر في كل منها حكم بفساده. تدبر. قوله: (ولو بإقرار) بيان لوجه الاطلاق: أي سواء كان بإقرار أو سكوت أو إنكار، وسواء كما بمال أو بمنفعة. قوله: (وبمنفعة) أي