البطلان المذكور أنه يسوغ له الدعوى بها بعد الابراء منها. أبو السعود قوله: (وأما الصلح على بعض الدين) مفهوم. قوله: سابقا أي عين يدعيها.
قال المقدسي معزيا للمحيط: له ألف فأنكره المطلوب فصالحه على ثلاثمائة من الألف صح ويبرأ عن الباقي قضاء لا ديانة، ولو قضاه الألف فأنكر الطالب فصالحه بمائة صح ولا يحلى له أخذها ديانة، فيؤخذ من هنا ومن أن الربا لا يصح الابراء عنه ما بقيت عينه عدم صحة براءة قضاة زماننا مما يأخذونه ويطلبون الابراء فيبرئونهم، بل ما أخذه عن الربا أعرق (1) بجامع عدم المحل في كل.
واعلم أن عدم براءته في الصلح استثنى منه في الخانية ما لو زاد أبرأتك عن البقية. سائحاني:
أي حيث يبرأ حينئذ قضاء وديانة.
قلت: ويظهر من هذا أن ما تضمنه الصلح من الاسقاط ليس إبراء من وجه، وإلا لم يحتج.
لقوله: وأبرأتك عن البقية. قوله: (أي قضاء لا ديانة) هذا إذا لم يبرئ الغريم من الباقي وإلا برئ ديانة كما علمت.
أقول: تأمل فيه مع أنهم قالوا: إن الصلح عن الدين على بعضه أخذ لبعض حقه وإسقاط للباقي وإسقاط الدين يصح. فالذي يظهر أنه يسقط قضاء وديانة، ولو تم ما ذكره هنا لم يبق فرق بين الدين والعين على ظاهر الرواية. تأمل. قوله: (وتمامه في أحكام الدين من الأشباه) وعبارتها: ومنها صحة الابراء عن الدين، ولا يصح الابراء عن الأعيان والابراء عن دعواها صحيح، فلو قال أبرأتك عن دعوى هذا العين صح الابراء فلا تسمع دعواه بها بعده، ولو قال برئت من هذه الدار ومن دعوى هذه لم تسمع دعواه وبينته، ولو قال أبرأتك عنها أو عن خصومتي فيها فهو باطل وله أن يخاصم، وإنما أبرأه عن ضمانه. كذا في النهاية من الصلح.
وفي كافي الحاكم: لا حق لي قبله يبرأ من الدين والعين والكفالة والإجارة والحدود والقصاص ا ه.
وبه علم أنه يبرأ من الأعيان في الابراء العام، لكن في مداينات القنية: افترق الزوجان وأبرأ كل واحد منهما صاحبه عن جميع الدعاوي وكان للزوج بذر في أرضها وأعيان قائمة الحصاد والأعيان القائمة لا تدخل في الابراء عن جميع الدعاوي. ا ه. ويدخل في الابراء العام الشفعة فهو مسقط لها قضاء لا ديانة إن لم يقصدها. كذا في الولوالجية.
وفي الخانية: الابراء عن العين المغصوبة إبراء عن ضمانها وتصير أمانة في يد الغاصب. وقال زفر: لا يصح الابراء وتبقى مضمونة، ولو كانت العين مستهلكة صح الابراء وبرئ من قيمتها ا ه.
فقولهم حينئذ الابراء عن الأعيان باطل معناه: أنها لا تكون ملكا له بالابراء، وإلا فالابراء عنها لسقوط ضمانها صحيح أو يحمل على الأمانة ا ه: أي إن البطلان عن الأعيان محله إذا كانت الأعيان أمانة، لأنها إذا كانت أمانة لا تلحقه عهدتها فلا وجه للابراء عنها. تأمل.