نكل لهما جملة بأن حلفه القاضي لهما يمينا واحدة أو على التعاقب بأن حلفه لكل على حدة، وإن حلف فقد برئ عن دعوة كل، فإن أراد أن يصطلحا وأخذا العبد منه لهما ذلك في قول أبي يوسف الأول، وهو قول محمد كما قبل الحلف، ثم رجع أبو يوسف وقال: لا يجوز اصطلاحهما بعد الحلف، قالوا: ولا رواية عن أبي حنيفة ا ه.
أقول: والحاصل: أن قول الشارح ولا يجبر على البيان موافق لما في البحر والزيلعي والعيني وشرح السيد حموي، ويخالفه ما في الدرر عن الكافي حيث قال: وإن لم يفحش بأن أقر أنه غصب هذا العبد من هذا أو من هذا فإنه لا يصح عند شمس الأئمة السرخسي، لأنه إقرار للمجهول. وقيل يصح وهو الأصح لأنه يفيد وصول الحق إلى المستحق، لأنهما إذا اتفقا على أخذه فلهما حق الاخذ ويقال له: بين المجهول، لان الاجمال من جهته كما لو أعتق أحد عبديه وإن لم يبين أجبره القاضي على البيان إيصالا للحق إلى المستحق ا ه. وكلام الشرنبلالية يفيد موافقة ما في الدرر من أنه يجبر على البيان حيث قال: قوله كما لو أعتق أحد عبديه: يعني من غير تعيين، أما لو أعتق أحدهما بعينه، ثم نسيه لا يجبر على البيان كما في المحيط ا ه.
وأقول: قوله لان الاجمال الخ هكذا في الهداية وعامة الشراح قاطبة ربطوا هذا الكلام على صحة الاقرار للمجهول، وصاحب الدرر ظن أنه مرتبط بالاقرار بالمجهول، وليس كذلك كما يظهر لمن نظر نظر التدبر في كلام صاحب الكافي أيضا، وقد سبق أنه لا جبر على المقر لبيان المقر له عند كونه مجهولا غير متفاحش، فاللائق عليه أن يأتي بهذا الكلام في شرح قوله ولزمه بيان ما جهل.
أقول: وإنما يجبره القاضي على البيان فيما إذا أعتق أحد عبديه من غير تعيين، لان الظاهر من حال المقر هو العلم بالحق الذي أقر به، فيجب عليه البيان. لا يقال: إنه تقدم عند. قوله: (أو مجهول) أن المقر قد يتلف مالا لا يدري قيمته أو يجرح جراحة لا يعلم أرشها. لأنا نقول: إن ذلك احتمال اعتبر هناك بتصحيح الاقرار بالمجهول، ولا يلزم من ذلك أن يسمع قوله لا أدري في جميع ما أقر به، بل على القاضي أن يعتمد على ظاهر الحال ولا يصدقه فيما هو محتمل. قوله: (لجهالة المدعي) أي فيهما، ولأنه قد يؤدي إلى إبطال الحق على المستحق، والقاضي إنما نصب لايصال الحق إلى مستحقه لا لابطاله ا ه. منح. قوله: (بحر) تتمة عبارته: ولكل منهما أن يحلفه. قوله: (ونقله في الدرر لكن باختصار مخل كما بينه عزمي زاده) ليس في كلامه اختصار مخل بل زيادة مضرة ذكرها في غير موضعها، وقد سمعت عبارته وصدرها، ولم يصح الاقرار للمجهول إذا فحشت جهالته بأن يقول هذا العبد لواحد من الناس، لان المجهول لا يكون مستحقا، وإن لم تفحش إلى آخر ما قدمنا عنها، واعترضه عزمي زاده بأن قوله: ويقال له بين المجهول مرتبط بصحة الاقرار مع جهالة المقر به لا بعدم الصحة في جهالة المقر له، ولا مساغ لحمله على ذلك لأنه علل المسألة بأنه إقرار للمجهول، ولا يفيد لان فائدته الجبر على البيان، وصاحب الحق مجهول، وكان الواجب ذكر هذه المسألة في أثناء شرح قوله أقر بمجهول صح ليوافق كلامه كلامهم ومرامه مرامهم ا ه.
وحاصله: أن ما ذكره صاحب الدرر من الجبر إنما هو فيما إذا جهل المقر به لا المقر له لقول الكافي لأنه إقرار للمجهول، وأنه لا يفيد لان فائدته الجبر على البيان، ولا يجبر على البيان لأنه إنما يكون ذلك لصاحب الحق وهو مجهول.