البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٤٤
اه‍. قال في الظهيرية: فرق بين هذا وبين ما إذا ادعى المشهود عليه بالزنا أنه نكحها فإنه لا يحد لأن هناك هو ينكر السبب الموجب للحد لأن الفعل يخرج عن أن يكون زنا بالنكاح، وههنا بعذر الاكراه لا ينعدم السبب وهو حقيقة شرب الخمر إنما هذا عذر مسقط فلا يثبت إلا ببينة يقيمها على ذلك اه‍. وظاهر كلام المصنف أن الصحو شرط لإقامة الحد حتى لو حده في حال سكره لا يكتفي به لعدم فائدته من كونه زاجرا. وفي القنية: لا يجوز لقاضي الرستاق أو فقيهه أو المتفقهة وأئمة المساجد إقامة حد الشرب إلا بتولية الإمام قوله: (وإن أقر أو شهد بعد مضي ريحها لا لبعد المسافة أو وجد منه رائحة الخمر أو تقاياها أو رجع عما أقر أو أقر سكران بأن زال عقله لا) أي لا يحد في هذه المسائل كلها. أما ثبوته بعد زوال رائحتها بإقرار أو ببينة فللتقادم وهو مقدر به فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق غير أنه مقدر بالزمان عند محمد اعتبارا بحد الزنا، وهذا لأن التأخير يتحقق بمضي الزمان والرائحة قد تكون من غيره كما قيل:
يقولون لي انكه شربت مدامة * فقلت لهم لا بل أكلت السفرجلا وعندهما يقدر بزوال الرائحة لقول ابن مسعود رضي الله عنه: تلتلوه ومزمزوه واستنكهوه فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه. ولان قيام الأثر من أقوى دلالة على القرب، وإنما يصار إلى التقدير بالزمان عند تعذر اعتباره والتمييز بين الروائح ممكن للمستدل وإنما يشتبه على الجهال، وأما الاقرار فالتقادم لا يبطله عند محمد كما في حد الزنا على ما مر تقريره، وعندهما لا يقام الحد إلا عند قيام الرائحة لأن حد الشرب ثبت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود وقد شرط قيام الرائحة على ما روينا. ورجح في غاية البيان قول محمد فقال: والمذهب عندي في الاقرار ما قاله محمد لأن حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنكره بعض أهل العلم. قال أبو عبيد: لأن الأصل في الحدود إذا جاء صاحبها مقرا بها الرد والاعراض وعدم الاستمتاع احتيالا للدرء كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقر ماعز فكيف يأمر ابن مسعود بالتلتلة والمزمزة والاستنكاه حتى يظهر سكره؟ فلو صح فتأويله أنه جاء في رجل أنه مولع بالشراب مدمن فاستجازه لذلك اه‍. وفي فتح القدير:
وقول محمد هو الصحيح اه‍. والحاصل أن المذهب قول أبي حنيفة وأبي يوسف إلا أن قول
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»
الفهرست