البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٣٩
رجع أحدهم قبل الرجم حد الكل الراجع وغيره وامتنع الرجم. وقال محمد: حد الراجع خاصة لأن الشهادة تأكدت بالقضاء فلا ينفسخ إلا في حق الراجع كما إذا رجع بعد الامضاء ولهما إن الامضاء من القضاء وصار كما إذا رجع واحد منهم قبل القضاء ولهذا يسقط الحد عن المشهود عليه. أطلق في قوله قبله فشمل ما إذا كان قبل القضاء أو بعده، وخلاف محمد إنما هو فيما بعد القضاء، وأما قبل القضاء فيحد الكل عند الثلاثة خلافا لزفر فإنه قال: يحد الراجع خاصة لأنه لا يصدق على غيره. ولنا أن كلامهم قذف في الأصل وإنما يصير شهادة باتصال القضاء به فإذا لم يتصل بقي قذفا فيحدون قوله: (ولو رجع أحد الخمسة لا شئ عليه) لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق وهو شهادة الأربع، وشمل قوله لا شئ عليه الحد والغرم وما إذا كان قبل القضاء وبعده، وأفاد أنه لا شئ على الأربعة بالأولى، وحاصله أنه لا شئ على الكل وكأنه لم يرجع أحد.
قوله: (فإن رجع آخر حدا وغرما ربع الدية) أما الحد فلانفساخ القضاء بالرجم في حقهما، وأما الغرامة فلانه بقي من يبقى بشهادته ثلاثة أرباع الحق والمعتبر بقاء من بقي على ما عرف. وأفاد بالغرامة أن المسألة بعد الرجم لأنه لو كان قبله فلا غرامة وإنما لزم الأول برجوع الثاني لأنه وجد منه الموجب للحد والضمان وهو قذفه وإتلافه بشهادته وإنما امتنع الوجوب لمانع وهو بقاء من يقوم بالحق، فإذا زال المانع برجوع الثاني ظهر الوجوب، وإذا رجع الثالث ضمن ربع الدية، وكذا الثاني والأول، وإذا رجع الخمسة ضمنوا الدية أخماسا، كذا في الحاوي القدسي قوله: (وضمن المزكون دية المرجوم إن ظهروا عبيدا) يعني ضمن المزكون برجوعهم عن التزكية دية المرجوم إن ظهر الشهود أنهم ليسوا أهلا للشهادة عند أبي حنيفة. وقالا: هي على بيت المال لأنهم أثنوا على الشهود خيرا فصار كما إذا أثنوا على المشهود عليه خيرا بأن شهدوا بإحصانه. وله أن الشهادة إنما تصير حجة وعاملة بالتزكية فكانت التزكية في معنى علة العلة فيضاف الحكم إليها بخلاف شهود الاحصان لأنه محض الشرط. قيدنا بكونهم رجعوا بأن قالوا تعمدنا الكذب مع علمنا بأنهم ليسوا أحرارا لأنهم لو ثبتوا على تزكيتهم ولم يرجعوا أو قالوا أخطأنا لم يضمنوا بالاجماع لأنهم أخطؤوا فيما عملوا لعامة المسلمين فصاروا كالقاضي. وأفاد بالمزكين أنهم أخبروا بحرية الشهود وإسلامهم وعدالتهم لتكون تزكية، سواء كان بلفظ الشهادة أو بلفظ الاخبار، لأنهم لو أخبروا بأنهم عدول ثم ظهروا عبيدا لم يضمنوا اتفاقا لأنها ليست تزكية، والقاضي قد أخطأ حيث اكتفى بهذا القدر. وقيد بالمزكيين لأنه لا ضمان على الشهود والمسألة بحالها لأن كلامهم لم يقع شهادة ولا يحدون للقذف لأنهم قذفوا حيا وقد مات فلا
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست