البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٤٣
الشهود عند القاضي على رجل بشرب الخمر سألهم القاضي عن الخمر ما هي ثم سألهم كيف شرب لاحتمال أنه كان مكرها، ثم يسألهم متى شرب لاحتمال التقادم، ثم يسألهم أنه أين شرب لاحتمال أنه شرب في دار الحرب اه‍. وينبغي أن يكون السؤال عن الوقت مبنيا على قول محمد، وأما على المذهب فلا لأن وجود الرائحة كاف ثم قال: فإذا بينوا ذلك حبسه القاضي حتى يسأل عن العدالة ولا يقضي بظاهر العدالة اه‍. والمشهود عليه بشربها لا بد أن يكون بالغا عاقلا مسلما ناطقا، فلا حد على صبي ولا مجنون ولا كافر.
قال في الظهيرية: رجل ارتد عن الاسلام - والعياذ بالله تعالى - ثم أتى به إلى الإمام ثم شرب خمرا أو سكر من غير خمر أو سرق أو زنى ثم تاب وأسلم فإنه يحد في جميع ذلك ما خلا الخمر والسكر فإنه لا يحد فيهما لأن المرتد كافر وحد السكر والخمر لا يقام على أحد من الكفار اه‍. وفي الخانية: ولا يحد الأخرس سواء شهد الشهود عليه أو أشار بإشارة معهودة يكون ذلك إقرارا منه في المعاملات لأن الحدود لا تثبت بالشبهات، ويحد الأعمى. ولو قال المشهود عليه بشرب الخمر ظننتها لبنا أو قال لا أعلم أنها خمر لا يقبل ذلك لأنه يعرفها بالرائحة والذوق من غير ابتلاع، وإن قال ظننتها نبيذا قبل منه لأن غير الخمر بعد الغليان والشدة يشارك الخمر في الذوق والرائحة ا ه‍. ولا بد من اتفاق الشاهدين فلو شهدا على الشرب والريح يوجد منه لكنهما اختلفا في الوقت لم يحد، وكذا لو شهد أحدهما أنه شربها وشهد الآخر بإقراره بشربها، وكذلك لو شهد أحدهما أنه سكر من الخمر وشهد الآخر أنه سكر من السكر، كذا في الظهيرية. وفي حصره الثبوت في البينة والاقرار دليل على أن من يوجد في بيته الخمر وهو فاسق أو يوجد القوم مجتمعين عليها ولم يرهم أحد يشربونها غير أنهم جلسوا مجلس من يشربها لا يحدون وإنما يعزرون، وكذلك الرجل يوجد معه ركوة من خمر، وكان في عهد أبي حنيفة من يقول بوجود الحد عليه فقال له الإمام: لم تحده؟ فقال:
لأن معه آلة الشرب والفساد. فقال الإمام: فارجمه إذن فإن معه آلة الزنا، كذا في الظهيرية.
وفي قوله مرة لقول أبي يوسف أنه لا بد من مرتين اعتبارا بالشهادة كما في الزنا. قلنا:
ثبت ذلك على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره، وشرط أن يعلم شربه طوعا وهو بأن يشهد الشهود أنه شربه طائعا لأن الشرب مكرها لا يوجب الحد. قال في الخانية: ولو قال أكرهت عليها لا يقبل لأن الشهود شهدوا عليه بالشرب طائعا، ولو لم يشهدوا بذلك لا تقبل شهادتهم، فلو قبلنا قوله كان لكل من شهد عليه بالشرب أن يقول كنت مكرها فيرتفع الحد
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست