البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٣٤
والتقادم غير مانع في حقوق العباد، ولان الدعوى فيه شرط فيحمل تأخيرهم على انعدام الدعوى فلا يوجب تفسيقهم، ولا يرد حد السرقة لأن الدعوى ليس بشرط للحد لأنه خالص حق الله تعالى على ما مر وإنما شرط للمال، ولان الحكم يدار على كون الحد حقا لله تعالى فلا يعتبر وجود التهمة في كل فرد، ولان السرقة تقام على الاستشرار على غرة من المالك فيجب على الشاهد إعلامه وبالكتمان يصير فاسقا آثما. وأشار المصنف بكون التقادم مبطلا لها إلى أن التقادم يمنع الإقامة بعد القضاء حتى لو هرب بعد ما ضرب بعض الحد ثم أخذ بعد ما تقادم الزمان لا يقام عليه لأن الامضاء من القضاء في باب الحدود فلا بد من قيام الشهادة حال الاستيفاء، وبالتقادم لم تبق الشهادة فلا يصح هذا القضاء الذي هو الاستيفاء.
وقيد بالشهادة لأنه لو أقر بسبب حد متقادم حد لانتفاء العلة لأن الانسان لا يعادي نفسه إلا في حد الشرب عند أبي حنيفة وأبي يوسف فإن التقادم فيه يبطل الاقرار، كذا في غاية البيان.
ولم يفسر المصنف التقادم لأن الإمام الأعظم لم يقدره بشئ وإنما فوضه إلى رأي القاضي في كل عصر لكن الأصح ما عن محمد أنه يقدر بشهر لأن ما دونه عاجل وهو مروي عنهما أيضا، وقد اعتبره محمد في شرب الخمر أيضا. وعندهما: هو مقدر بزوال الرائحة فلو شهدوا عليه بالشرب بعدها لا تقبل. وقد جزم به المصنف في بابه فظاهره كغيره أنه المختار فعلم أن الأصح اعتبار الشهر إلا في شرب الخمر. ولم يستثن المصنف كون التقادم لبعد المكان عن القاضي لأن العذر لا يختص به بل يكون بنحو مرض أو خوف طريق. وحاصله أن كل شئ منع الشاهد من المسارعة إلى أداء الشهادة فهو عذر بقدره، ولم يذكر المصنف وجوب الحد على الشهود إذا شهدوا بزنا متقادم. وذكر في الخانية: لو شهدوا بزنا متقادم اختلفوا فيه قال بعضهم يحد الشهود حد القذف، وقال بعضهم لا يحدون اه‍.
قوله: (ويضمن المال) يعني في صورة شهادتهم بسرقة متقادمة لأن الدعوى شرط في حقوق العباد فتأخير الشاهد لتأخير الدعوى لا يلزم فيه تفسيق ولا تهمة ولذا لم يبطل حد القذف بالتقادم إن كان الغالب فيه حق الله تعالى على الأصح لتوقفه على الدعوى. أطلقه فشمل ما إذا كان تأخير الشهادة لعدم الدعوى بسبب عدم علم صاحب المال أو لطلبه الستر أو لكتمان الشهادة بعد طلبه الشهادة منه. وينبغي أن لا تقبل شهادتهم في حق المال أيضا في الوجه الثاني لفسقهم بالكتمان. واعلم أن قولهم بضمان المال مع تصريحهم بوجود التهمة في شهادتهم مع التقادم مشكل لتصريحهم في كتاب الشهادات بأنه لا شهادة للمتهم، سواء كانت في الأموال أو في غيرها إلا أن يقال إن التهمة غير محققة وإنما الموجود الشبهة والمال يثبت مع الشبهة بخلاف الحد قوله: (ولو أثبتوا زناه بغائبة حد بخلاف السرقة) أي لو شهدوا أنه
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست