البلد الذي وقع فيها الزنا فهو على وجهين: أحدهما أن يشهد اثنان أنه زنى بها بالكوفة واثنان أنه زنى بها بالبصرة فلا حد عليهما لأن المشهود به فعل الزنا وقد اختلف باختلاف المكان ولم يتم على كل واحد منهما نصاب الشهادة، ولا يحد الشهود خلافا لزفر لشبهة الاتحاد نظرا إلى اتحاد الصورة والمرأة. وعلى هذا الخلاف إذا جاء القاذف بأربعة شهداء فشهد اثنان أنه زنى في بلد وآخران أنه زنى في بلد آخر. وثانيهما أن يتم نصاب الشهادة بالزنا في كل بلد وهو على وجهين: أحدهما أن يذكروا وقتا واحدا مع تباعد المكانين كما إذا شهد أربعة أنه زنى بها بالبصرة وقت طلوع الشمس في اليوم الفلاني في الشهر الفلاني من السنة الفلانية وأربعة أنه زنى بها بالكوفة في الوقت المذكور بعينه، وفي هذه لا حد عليهما وهو المراد بقوله ولو على كل زنا أربعة لتيقننا بكذب أحدهما لأن الشخص الواحد لا يكون في ساعة واحدة في مكانين متباعدين، ولا يعرف الصادق من الكاذب فيعجز القاضي عن الحكم بهما للتعارض أو لتهمة الكذب، ولا يحد الشهود أيضا لأن كل واحد منهما تم به نصاب الشهادة واحتمل الصدق. ثانيهما أن يتقارب المكانان مع اتحاد الوقت فتجوز شهادتهم لأنه يصح كون الامر فيهما في ذلك الوقت لأن طلوع الشمس يقال لوقت ممتد امتدادا عرفيا لا أنه يخص وقت ظهورها من الأفق. ويحتمل تكرار الفعل، كذا في فتح القدير. وذكر الحاكم في كافيه: إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فاختلفوا في المزني بها أو في المكان أو في الوقت بطلت شهادتهم إلا أن يكون اختلافهم في مكانين متقاربين من بيت أو غير بيت فيقام الحد استحسانا اه قوله: (ولو اختلفوا في بيت واحد حد الرجل والمرأة) أي اختلفوا في مكان الزنا من بيت واحد كما إذا شهد اثنان أنه زنى بها في زاوية منه واثنان أنه زنى بها في زاوية أخر منه وهذا استحسان، والقياس أن لا يجب لاختلاف المكان حقيقة. وجه الاستحسان أن التوفيق ممكن بأن يكون ابتداء الفعل في زاوية والانتهاء في زاوية أخرى بالاضطراب والحركة أو لأن الواقع في وسط البيت فيحسبه من في المقدم في المقدم ومن في المؤخر في المؤخر فيشهد بحسب ما عنده. أطلق في البيت وهو مقيد بالصغير لأن الكبير كالدار ولو اختلفا في دارين لا حد كالبلدين. والحاصل أن الاختلاف في المكان مانع لقبولها إلا إذا أمكن التوفيق بأن يكون صغيرا. وقيد الاختلاف بما ذكر لأنهم لو اختلفوا في طولها وقصرها أو سمنها أو هزالها أو في لونها أو في ثيابها فإنه لا يمنع لامكان التوفيق. وقد استشكل على هذا مذهب الإمام فيما إذا اختلفوا في الاكراه والطواعية فإن التوفيق فيه ممكن بأن يكون ابتداء الفعل كرها وانتهاؤه طواعية. قال في الكافي: يمكن أن يجاب عنه بأن ابتداء الفعل إذا كان عن إكراه لا يوجب الحد فبالنظر إلى الابتداء لا يجب، وبالنظر إلى الانتهاء يجب فلا يجب بالشك، وهنا بالنظر إلى الزاويتين يجب فافترقا.
(٣٦)