البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٣١
بأن يكون استأجرها ليزني بها لأنه لو استأجرها للخدمة فزنى بها يجب الحد اتفاقا لأن العقد لم يضف إلى المستوفي بالوطئ والعقد المضاف إلى محل يورث الشبهة في ذلك المحل لا في محل آخر قوله: (وبإكراه) أي لا يجب الحد بالزنا بإكراه. أطلقه فشمل ما إذا كان المكره السلطان أو غيره، أما إذا كان المكره السلطان فكان أبو حنيفة أولا يقول عليه الحد وهو قول زفر لأن الزنا من الرجل لا يتصور إلا بعد انتشار الآلة وهذا آية الطوع، ووجه قوله الآخر أن السبب الملجئ قائم ظاهرا وهو قيام السيف على رأسه والانتشار دليل محتمل لأنه قد يكون من غير قصد كما في النائم فلا يزول اليقين بالمحتمل، وأما إذا أكرهه غير السلطان فإنه يحد عند الإمام. وقالا: لا يحد لتحقق الاكراه من غير السلطان عندهما لأن المؤثر خوف الهلاك ويتحقق من غيره، وله أنه من غيره لا يدوم إلا نادرا لتمكنه من الاستغاثة بالسلطان وبجماعة المسلمين ويمكنه دفع شره بنفسه بالسلاح والنادر لا حكم له فلا يسقط الحد بخلاف السلطان لأنه لا يمكنه الاستغاثة بغيره ولا الخروج بالسلاح عليه. قالوا: هذا اختلاف عصر وزمان لأنه لم يمكن في زمن أبي حنيفة لغير السلطان من القوة ما لا يمكن دفعها بالسلطان، وفي زمنهما ظهرت القوة لكل متغلب فيفتي بقولهما، كذا في الظهيرية فلذا أطلق في المختصر.
قوله: (وبإقرار إن أنكره الآخر) أي لا يجب الحد بإقرار أحد الزانيين إذا أنكره الآخر لأن دعوى النكاح يحتمل الصدق وهو يقوم بالطرفين فأورث شبهة، وإذا سقط وجب المهر تعظيما لخطر البضع. أطلقه فشمل ما إذا قال لم أطأ أصلا أو قال تزوجت، وشمل ما إذا كان المنكر الرجل أو المرأة وهو قول الإمام. وقالا: إن ادعى المنكر منهما الشبهة بأن قال تزوجته فهو كما قال، وإن أنكر الإمام قال ما زنيت ولم يدع ما يسقط الحد وجب على المقر الحد دون المنكر. وحاصل دليل الإمام أن الزنا فعل مشترك بينهما قائم بهما فانتفاؤه عن أحدهما يورث شبهة في الآخر، وإذا سقط الحد وجب المهر تعظيما لأمر البضع، وإن كانت هي منكرة لأمر النكاح لأنه من ضرورة سقوط الحد. وأشار المصنف إلى أنه لو زنى بامرأة خرساء لا حد على واحد منهما. قال في الأصل: وجعل الجواب في الخرساء كالجواب فيما إذا كانت المرأة ناطقة وادعت المرأة النكاح بخلاف ما إذا كانت المرأة مجنونة أو صبية يجامع مثلها كان على الرجل الحد، وبخلاف ما إذا كانت المرأة غائبة وأقر الرجل أنه زنى بها أو شهد عليه الشهود فإنه يقام الحد على الرجل، كذا في الظهيرية قوله: (ومن زنى بأمة فقتلها لزمه الحد
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»
الفهرست