البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٤٩١
فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك ثم اليمين في الحديث بمعنى المقسم عليه لأن حقيقة اليمين جملتان إحداهما مقسم به والأخرى مقسم عليه فذكر الكل وأريد البعض، وقيل ذكر اسم الحال وأريد المحل لأن المحلوف عليه محل اليمين ولان فيما قلناه تفويت البر إلى جابر وهو الكفارة ولا جابر للمعصية في ضده. وأطلق في المعصية فشمل النفي والاثبات فالأول مثل أن لا يصلي أو لا يكلم أباه فيجب الحنث بالصلاة وكلام الأب، والثاني نحو ليقتلن فلانا كما في الهداية، ولا بد أن تكون اليمين موقتة بوقت كاليوم وغدا لأنها لو كانت مطلقة لم يتصور الحنث باختياره لأنه لا يحنث إلا في آخر جزء من أجزاء حياته فيوصي بالكفارة حينئذ إذا هلك الحالف ويكفر عن يمينه إذا هلك المحلوف عليه، كذا في غاية البيان. الثاني أن يكون المحلوف عليه شيئا غيره أولى منه كالحلف على ترك وطئ زوجته شهرا أو نحوه فالحنث أفضل لأن الرفق أيمن، ودليله الحديث المتقدم. وكذا لو حلف ليضربن عبده، وهو يستأهل ذلك أو ليشكون مديونه إن لم يوافه غدا لأن العفو أفضل، وكذا تيسير المطالبة الثالث أن يحلف على شئ وضده مثله كالحلف لا يأكل هذا الخبز أو لا يلبس هذا الثوب فالبر في هذا وحفظ اليمين أولى. ولو قال قائل إنه واجب لقوله تعالى * (واحفظوا أيمانكم) * [المائدة: 98] على ما هو المختار في تأويلها أنه البر فيها أمكن، كذا في فتح القدير. ولم يذكر القسم الرابع وهو أن يكون المحلوف عليه يجب فعله، قيل اليمين كحلفه ليصلين الظهر اليوم لظهور أن البر فرض، ومنه إذا كان المحلوف عليه ترك معصية فإن البر واجب فيثبت وجوبان لامرين الفعل والبر. فحاصله أن المحلوف عليه إما فعل أو ترك وكل منهما على خمسة أوجه لأنه إما أن يكون معصية أو واجبا أو هو أولى من غيره أو غيره أولى منه أو مستويان وقد علمت أحكام العشرة قوله: (ولا كفارة على كافر وإن حنث مسلما) لما قدمنا أن شرط انعقادها الاسلام لأنه ليس بأهل لليمين لأنها تعقد لتعظيم الله تعالى ومع الكفر لا يكون معظما ولا هو للكفارة أهل ودليله قوله تعالى * (إنهم لا أيمان لهم) * [التوبة:
21] وأما قوله بعده * (نكثوا أيمانهم) * [التوبة: 21] فيعني صورة الايمان التي أظهروها.
والحاصل أنه لا بد من التأويل، وأما في لا أيمان لهم كما قال الشافعي إن المراد لا إيفاء لهم بها، أو في نكثوا أيمانهم على قول أبي حنيفة أن المراد ما هو صورة الايمان دون حقيقتها الشرعية، ويرجح الثاني بالفقه وهو أنا نعلم من كان أهلا لليمين يكون أهلا للكفارة وليس الكافر أهلا لها. أطلقه فشمل المرتد. وأشار المصنف إلى أن الكفر يبطل اليمين فلو حلف
(٤٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 486 487 488 489 490 491 492 493 494 495 496 ... » »»
الفهرست