البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٣١٦
وإن قلنا أنه المراد كما وقع التصريح به في الهداية فهو محمول على يسارها أيضا، ومتى أمكن الحمل فلا تناقض. وأشار المصنف إلى أن القاضي إذا فرض النفقة للمرأة فغلا الطعام أو رخص فإن القاضي يغير ذلك الحكم، كذا في الظهيرية. وفي الذخيرة: وإذا فرض القاضي لها مالا يكفيها فلها أن ترجع عن ذلك لأنه ظهر خطأ القاضي حيث قضى بما لا يكفيها فعليه أن يتدارك الخطأ بالقضاء لها بما يكفيها، وكذلك إذا فرض على الزوج زيادة على ما يكفيها فله أن يمتنع عن الزيادة اه‍. وفي الخلاصة: لو صالحته على أكثر من حقوقها في النفقة والكسوة إن كان قدر ما يتغابن الناس في مثله جاز، وإن كان قدر ما لا يتغابن الناس فالزيادة مردودة ويلزمه نفقة مثلها ولا يبطل القضاء، فلو أن القاضي فرض لها النفقة والسعر غالي رخص ثم تسقط الزيادة، وهذا يدل على أنه لا يبطل القضاء وتبطل الزيادة اه‍. يعني لا يبطل أصل التقدير بزيادة السعر أو نقصانه حتى لو مضت مدة لا تسقط النفقة إذ لو بطل أصله لسقطت بمضي الزمان. وسيأتي في مسائل الصلح عن النفقة قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولا تجب نفقة مضت إلا بالقضاء أو الرضا) لأن النفقة صلة وليست بعوض عندنا فلم يستحكم الوجوب فيها إلا بالقضاء كالهبة لا توجب الملك فيها إلا بمؤكد وهو القبض، والصلح بمنزلة القضاء لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية القاضي بخلاف المهر لأنه عوض البضع. والمراد بعدم وجوبها عدم كونها دينا عليه فلا تكون دينا عليه يطالب به ويحبس عليه إلا بإحدى هذين الشيئين فحينئذ تصير دينا عليه فتأخذه منه جبرا، سواء كان غائبا أو حاضرا، لسواء أكلت من مال نفسها أو استدانت. وأطلق المصنف فشمل المدة القليلة لكن ذكر في الغاية أن نفقة ما دون الشهر لا تسقط وعزاه إلى الذخيرة فكأنه جعل القليل مما لا يمكن التحرز عنه إذ لو سقطت بمضي اليسير من المدة لما تمكنت من الاخذ أصلا اه‍. والمراد بالرضا اصطلاحهما على قدر معين للنفقة إما أصنافا أو دراهم ولذا عبر الحدادي بالفرض والتقدير، فإذا فرض لها الزوج شيئا معينا كل يوم ثم مضت مدة فإنها لا تسقط، فهذا هو المراد بقولهم أو الرضا، وأما ما توهمه بعض حنفية العصر من أن المراد بالرضا أنه إذا مضت مدة بغير فرض ولا رضا ثم رضي الزوج بشئ فإنه يلزمه فخطأ ظاهر
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»
الفهرست