البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٣١٣
النفقة والقضاء على الغائب، وكل واحد منهما مجتهد فيه. وقال ظهير الدين المرغيناني: لا يصح هذا التفريق لأن القضاء على الغائب إنما يصح عند الشافعي وينفذ في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة إذا ثبت المشهود به، وهنا لم يثبت المشهود به عند القاضي وهو العجز لأن المال غاد ورائح، ومن الجائز أن الغائب صار غنيا ولم يعلم به الشاهد لما بينهما من المسافة فكان الشاهد مجازفا في هذه الشهادة. وقال صاحب الذخيرة: الصحيح لأنه لا يصح قضاؤه لأن العجز لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون قادرا فيكون هذا ترك الانفاق لا للعجز عن الانفاق، فإن رفع هذا القضاء إلى قاض آخر وأجاز قضاءه فالصحيح أنه لا ينفذ لأن هذا القضاء ليس بمجتهد فيه لما ذكرنا أن العجز لم يثبت ا ه‍. وتعقبه في فتح القدير بقوله:
واعلم أن الفسخ إذا غاب ولم يترك لها نفقة يمكن بغير طريق إثبات عجزه بمعنى فقره وهو أن تتعذر النفقة عليها. قال القاضي أبو الطيب من الشافعية: إذا تعذرت النفقة عليها بغيبته ثبت لها الفسخ. قال في الحلية: وله وجه وجيه فلا يلزم مجئ ما قال ظهير الدين ا ه‍.
وهذا لا يرد ما قاله ظهير الدين لوجهين: الأول أنه ليس مذهب الشافعي. والثاني أن كلامه في التفريق بسبب العجز لا في غيره. وفي الذخيرة: فرق بين النفقة وبين سائر الديون في الامر بالاستدانة فإن في سائر الديون من عليه الدين إذا عجز عن قضاء الدين لا يؤمر صاحب الدين بالاستدانة عليه، وهنا بعد ما فرض القاضي لها تؤمر بالاستدانة على الزوج.
والفرق بينهما أن المرأة لو لم تؤمر بالاستدانة عسى تموت جوعا أو يموت الزوج فتسقط نفقتها فكان الامر بها لتأكيد حقها وهذا المعنى معدوم في سائر الديون. قال مشايخنا: ليس فائدة الامر بالاستدانة بعد فرض القاضي النفقة إثبات حق للمرأة عليه لأن حق رجوعها ثابت بالفرض، سواء أكلت من مال نفسها أو استدانت بأمر القاضي أو بغير أمره، ولكن فائدته أن يرجع الغريم على الزوج وبدون الامر ليس له الرجوع عليه وإنما يرجع رب الدين على المرأة وهي ترجع بالمفروض على الزوج. وفي تجريد القدوري: إن فائدته أن تحيل المرأة الغريم على الزوج وإن لم يرض الزوج وبدونه لس لها ذلك.
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 ... » »»
الفهرست