البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٣ - الصفحة ٥٧٤
وحاصله أنه إذا جمع للأجنبي بين الامر باليد والامر بالتطليق بالفاء فهو واحد ولا اعتبار للامر باليد، تقدم أو تأخر، فيتقيد بالمجلس ولا يملك عزله وتقع بائنة. وإن كان بالواو فهما تفويضان فالامر باليد تمليك يعطى أحكامه، والامر بالتطليق توكيل فيأخذ أحكامه وإن أمره بالإبانة والتطليق بالفاء فهو توكيل بواحد، وإن كان بالواو فهو توكيل بالإبانة والتطليق فيقع طلاقان. وإن جمع بين الجعل إليه وبين الامر بالتطليق فإن قدم الجعل فهو تمليك، وإن أخره فهو توكيل، وظاهره أنه لا فرق بين الفاء والواو، وإلى هنا ظهر الفرق بين التمليك والتوكيل في أربعة أحكام، فالتمليك يتقيد بالمجلس ولا يصح الرجوع عنه ولا العزل ولا يبطل بجنون الزوج، وانعكست هذه الأحكام في التوكيل. ولو قال المصنف ولقال لغيرها طلقها لكان أولى ليشمل ما إذا أمر زوجته بطلاق ضرتها كما قدمناه. وسيأتي عن الخانية في باب التعليق أنه لو قال كل امرأة أتزوجها فقد بعت طلاقها منك بدرهم ثم تزوج امرأة فقالت التي كانت عنده حين علمت بنكاح غيرها قبلت أو قالت طلقتها أو قالت اشتريت طلاقها طلقت التي تزوجها، وإن قالت التي عنده قبل أن يتزوج أخرى قبلت لا يصح قبولها لأن ذلك قبول قبل الايجاب اه‍. وأطلق الرجل فشمل ما إذا فوضه لصبي لا يعقل أو مجنون فلذا قال في المحيط: لو جعل أمرها بيد صبي لا يعقل أو مجنون فذلك إليه ما دام في المجلس لأن هذا تمليك في ضمنه تعليق، فإن لم يصح باعتبار التمليك يصح باعتبار معنى التعليق فصححناه باعتبار التعليق فكأنه قال إن قال لك المجنون أنت طالق فأنت طالق، وباعتبار معنى التمليك يقتصر على المجلس عملا بالشبهين اه‍. لكن في الخانية قال: رجل فوض طلاق امرأته إلى صبي قال في الأصل: إن كان ممن يعبر يجوز اه‍. ومفهومه أنه إذا كان لا يعبر لا يجوز، ولا مخالفة بين ما في المحيط وما فيها لأن الصبي الذي لا يعقل يشترط أن يكون ممن يتكلم ليصح أن يوقع الطلاق عليها ولا يلزم من التعبير العقل كما لا يخفى. وفي الخانية: لو جن المجعول إليه بعد التفويض فطلق قال محمد: إن كان لا يعقل ما يقول لا يقع طلاقه اه‍. فعلى هذا يفرق بين التفويض إلى المجنون ابتداء وبين طربان الجنون، ونظيره ما ذكره في الخانية بعده:
لو وكل رجلا ببيع عبده فجن الوكيل جنونا يعقل فيه البيع والشراء ثم باع الوكيل لا ينعقد بيعه، ولو وكل رجلا مجنونا بهذه الصفة ببيع عبده ثم باع الوكيل نفذ بيعه لأنه إذا لم يكن مجنونا وقت التوكيل كان التوكيل ببيع تكون العهدة فيه على الوكيل. وبعدما جن الوكيل لو نفذ بيعه كانت العهدة فيه على الموكل فلا ينفذ، أما إذا كان الوكيل مجنونا وقت التوكيل فإنما وكل ببيع تكون العهدة فيه على الموكل، فإذا أتى بذلك نفذ بيعه على الموكل اه‍. وفي تفويض الطلاق وإن كان لا عهدة أصلا ولكن الزوج حين التفويض لم يعلق إلا على كلام عاقل، فإذا طلق وهو مجنون لم يوجد الشرط بخلاف ما إذا فوض إلى مجنون ابتداء وبين التفويض إلى مجنون وتوكيله بالبيع فرق فإنه في التفويض يصح وإن لم يعقل أصلا باعتبار معنى التعليق،
(٥٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 569 570 571 572 573 574 575 576 577 578 579 ... » »»
الفهرست