مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٨ - الصفحة ٧٨
المجتهد غير عاص فعلى أهل العصر تفقد مذاهبهم، فكل ما وجدوه من هذا النوع يحرم عليهم الفتيا به ولا يعرى مذهب من المذاهب عنه لكنه قد يقل وقد يكثر غير أنه لا يقدر أن يعرف هذا من مذهبه إلا إن عرف القواعد والقياس الجلي والنص الصريح وعلة المعارض لذلك وذلك يعتمد تحصيل الفقه والتبحر في الفقه فإن القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه، بل للشريعة قواعد كثيرة جدا عند أئمة الفقه والفتوى لا توجد في كتب أصول الفقه أصلا وذلك هو الباعث لي على تصنيف هذا الكتاب لضبط تلك القواعد بحسب طاقتي، وباعتبار هذا الشرط يحرم على أكثر الناس الفتيا فتأمل ذلك فإنه أمر لازم ولذلك كان السلف رضي الله عنهم يتوقفون في الفتيا توقفا شديدا انتهى.
قلت: والظاهر أن قول القرافي وعلم مطلقها ومقيدها وعامها وخاصها يعني غلب على ظنه أن هذه الرواية مطلقة وهذه مقيدة، وأما القطع بأن هذه الرواية ليست مقيدة فبعيد ويكفي الآن في ذلك وجود المسألة في التوضيح أو في ابن عبد السلام. قال ابن فرحون: قال المازري في كتاب الأقضية الذي يفتي به في هذا الزمان: أقل مراتبه في نقل المذهب أن يكون قد استبحر في الاطلاع على روايات المذهب وتأويل الشيوخ لها، وتوجيههم لما وقع فيها من اختلاف ظواهر واختلاف مذاهب وتشبيههم مسائل بمسائل قد يسبق إلى النفس تباعدها، وتفريقهم بين مسائل ومسائل قد يقع في النفس تقاربها وتشابهها إلى غير ذلك مما بسطه المتأخرون في كتبهم وأشار إليه المتقدمون من أصحاب مالك في كثير من رواياتهم، فهذا لعدم النظار يقتصر على نقله عن المذهب انتهى. وفي آخر خطبة البيان والتحصيل لابن رشد قال:
إذا جمع الطالب المقدمات إلى هذا الكتاب يعني البيان والتحصيل، حصل على معرفة ما لا يسع جهله من أصول الديانات وأصول الفقه، وعرف العلم من طريقه وأخذه من بابه وسبيله، وأحكم رد الفرع إلى الأصل، واستغنى بمعرفة ذلك كله عن الشيوخ في المشكلات، وحصل في درجة من يجب تقليده في النوازل المعضلات، ودخل في زمرة العلماء الذين أثنى الله عليهم في غير ما آية من كتابه ووعدهم فيه بترفيع الدرجات انتهى. وقد تقدم في أول المختصر عند قول المصنف مبينا لما به الفتوى في الكلام على الديباجة بعض هذه النصوص وشئ من هذا المعنى والله أعلم.
الثالث: لم يتعرض المؤلف لما تنعقد به الولاية. وقال ابن بشير: في التحرير لانعقاد الولاية ثلاثة شروط: العلم بشرائط الولاية في المولى فإن لم يعلمها إلا بعد التقليد استأنفه.
الثاني ذكر المولى له كالقضاء أو الامارة فإن جهل ذلك فسدت. الثالث ذكر البلد الذي عقدت عليه الولاية ليمتاز عن غيره. انتهى ونقله القرافي ونقله ابن فرحون عن ابن الأمين.
الرابع: قال ابن فرحون: قال الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن الأمين القرطبي:
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»
الفهرست