هذا القاضي فيما يمر به من نوازل الاحكام التي لا نص عنده فيها من قول مالك أو قول بعض أصحابه التي قد بانت له صحة، أن لا يقضي فيها إلا بفتوى من يسوغ له الاجتهاد ويعرف وجه القياس إن وجده في بلده وإلا طلبه في غير بلده، فإن قضى فيه برأيه ولا رأي له أو برأي من لا رأي له كان حكمه موقوفا على النظر، ويأمر الامام القاضي إذا لم يكن من أهل الاجتهاد ولا كان في بلده من يسوغ له الاجتهاد لا يقضي فيما سبيله الاجتهاد إلا بعد مشورة من يسوغ له الاجتهاد انتهى. وسيأتي كلامه على الطائفة التي أحال عليها في الكلام على المفتي.
وقال ابن الحاجب: فإن لم يوجد مجتهد فمقلد فيلزمه المصير إلى قول مقلده، وقيل لا يلزمه، وقيل لا يجوز له إلا باجتهاده. قال ابن عبد السلام: يعني إن ولي مقلد لعدم المجتهد فهل يلزمه الاقتصار على قول إمامه أو لا يلزمه ذلك والأصل عدم اللزوم وهو الأقرب إلى عادة المتقدمين، فإنهم ما كانوا يحجرون على العوام اتباع عالم واحد ولا يأمرون من سأل أحدهم عن مسألة أن لا يسأل غيره لكن الأولى عندي في حق القاضي لزوم طريقة واحدة، وأنه إذا قلد إماما لا يعدل عنه لغيره لان ذلك يؤدي إلى اتهامه بالميل مع أحد الخصمين، ولما جاء من النهي عن الحكم في قضية بحكمين مختلفين انتهى. قال ابن عرفة إثر نقله له. قلت: حمله كلام المؤلف على أن في لزوم المقلد اتباع قول إمامه وجواز انتقاله عنه إلى قول غيره قولين فيه نظر، لان القولين على هذا الوجه ليسا بموجودين في المذهب فيما أدركت، والصواب تفسير القولين بما قدمناه من قول ابن العربي بنص قول مقلده فإن قاس عليه أو قال يجئ من كذا فهو متعد، وبقول التونسي واللخمي وابن رشد والباجي وأكثر الشيوخ بالتخريج من قول مالك وابن القاسم وغيرهما حسبما قدمناه عنهم انتهى. بل في نظره نظر، ولا أرجحية لحمله لان القولين اللذين فسر ابن عبد السلام بهما كلام ابن الحاجب موجودان. أما الأول فبقول ابن العربي يحكم بفتوى مقلده بنص النازلة، والثاني حكاه في الجواهر عن الطرطوشي ونصه: ولا يلزم أحدا من المسلمين أن يقلد في النوازل والاحكام من يعتزى إلى مذهبه، فمن كان مالكيا لم يلزمه المصير في أحكامه إلى قول مالك، وهكذا القول في سائر المذاهب، بل أينما أداه اجتهاده من الاحكام صار إليه. فإن شرط على القاضي أن يحكم بمذهب إمام معين فالعقد صحيح والشرط باطل، كان موافقا لمذهب المشترط أو مخالفا له. انتهى من التوضيح. وانظر هذا مع ما نقله ابن فرحون في تبصرته في الباب الرابع من القسم الأول، فإنه نقل عن الطرطوشي أن العقد باطل والشرط باطل. انتهى فتأمله. ثم قال ابن عبد السلام، وقوله وقيل لا يجوز إلا باجتهاده يعني أنه لا يجوز تولية المقلد البتة، ويرى هذا القائل أن رتبة الاجتهاد موجودة لزمن انقطاع العلم كما أخبر به (ص) وإلا كانت الأمة مجتمعة على الخطأ. قال ابن عرفة: حمله على عدم تولية المقلد. مطلقا هو ظاهر لفظه، وقبوله إياه يقتضي وجوده في المذهب