ولا أعرفه في المذهب إلا ما حكاه المازري عن الباجي في تعليله منع تولية قاضيين لا ينفذ حكم أحدهما دون الآخر، فإن ذلك يوجب التعطيل لان غالب المجتهدين الخلاف والمقلدان توليتهما ممنوعة. كذا نقل المازري عن الباجي ولم أجده له في المنتقى ولا في كتاب ابن زرقون انتهى.
ثم ذكر ما نقلناه عنه أولا وهو قوله وما أشار إليه من يسر الاجتهاد إلى آخره. ثم قال:
والأظهر تفسير كلام ابن الحاجب بجعل الضمير المخفوض في قوله باجتهاده عائدا على مقلده بفتح اللام، ومعناه أنه يجوز للقاضي المقلد لمالك مثلا في المسألة التي لا نص فيها أن يجتهد فيها باجتهاد إمامه أي بقواعده المعروفة له في طرق الاحكام الكلية. كقاعدته في تقديم عمل أهل المدينة على خبر الواحد العدل وعلى القياس، وكقوله بسد الذرائع إلى غير ذلك من قواعده المخصوصة به في أصول الفقه. ولا يجوز له أن يجتهد في القياس على قوله اجتهادا مطلقا من غير مراعاة قواعده الخاصة به، فيتحصل من نقل ابن الحاجب في اجتهاد المقلد فيما لا نص لمقلده فيه ثلاثة أقوال: المنع مطلقا وهو نص ابن العربي وهو ظاهر ما تقدم من نقل الباجي ولا يفتي إلا من هذه صفته إلا أن يخبر بشئ سمعه. والثاني جواز القياس مطلقا من غير مراعاة قواعده الخاصة به وهو قول اللخمي وفعله، ولذا قال عياض في مداركه اختيارات له خرج بكثير منها عن المذهب. الثالث: جواز اجتهاده بعد مراعاة قواعد إمامه الخاصة به، وهذا هو مسلك ابن رشد والمازري والتونسي وأكثر الإفريقيين الأندلسيين. وأما الملازمة في قوله وإلا كانت الأمة مجتمعة على الخطأ ففي صدقها نظر لان تقديرها إن خلا الزمان عن مجتهد اجتمعت الأمة على الخطأ وهذه مصادرة، لأنه لا يلزم كونها مخطئة إلا إذا ثبت عدم الاكتفاء بالتقليد، وأما إذا كان جائزا فلا، والمسألة مشهورة في أصول الفقه. قال ابن الحاجب: يجوز خلو الزمان عن مجتهد خلافا للحنابلة. زاد الآمدي وغيره: وجوزه آخرون وهو المختار انتهى.
وقال المشذالي في حاشيته: ولا خلاف بين المحققين أن القاضي في هذا الزمان مفتقر إلى حفظ واسع واطلاع بارع وإدراك جيد نافع وخصوصا المدونة فإن فيها أزمة وافرة فيما يرجع إلى اقتناص الاحكام، ومن كتب الاحكام المتيطية فإن فيها جملة صالحة والتوفيق بيد الله.
الثاني: وأما شرط الفتوى فقال ابن سلمون في وثائقه: سئل ابن رشد في الفتوى وصفة المفتي فقال: الذي أقول به في ذلك أن الجماعة التي تنسب إلى العلوم وتتميز عن جملة العوام بالمحفوظ والمفهوم تنقسم على ثلاث طوائف: طائفة منهم اعتقدت صحة مذهب مالك تقليدا بغير دليل فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه في مسائل الفقه دون التفقه في معانيها بتمييز الصيح منها والسقيم. وطائفة اعتقدت صحة مذهبه بما بان لها من صحة أصوله التي بناه عليها فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه في مسائل الفقه وتفقهت