الدرجة لم يصلح أن يستفتي في المجتهدات التي لا نص فيها، ولا يجوز له أن يفتي في شئ منها إلا أن يعلم برواية عن عالم فيقلد فيما يخبر به، وإن كان فيها اختلاف أخبر بالذي ترجح عنده إن كان ممن له فهم ومعرفة بالترجيح.
قلت: وهذا حال كثير ممن أدركناه وأخبرنا عنهم أنهم كانوا يفتون ولا قراءة لهم في العربية فضلا عما سواها من أصول الفقه. وقد ولي خطتي قضاء الأنكحة والجماعة بتونس من قال ما فتحت كتابا في العربية على أحد، ومثله ولي القضاء في أوائل هذا القرن ببجاية، وقد رأيت بعض هؤلاء يقرؤن التفسير وأخبرت أن بعضهم كان منعه قاضي وقته فلما مات أقرأه.
وأفتى ابن عبد السلام بوجوب منع من لم يكن له مشاركة في علم العربية من إقراء التفسير ثم كان في حضرته من يقرئه بل ولاه محل أقرائه وهو ممن لم يقرأ في العربية كتابا والله أعلم بحال ذلك كله. وفي المقدمات: ينبغي للقاضي أن يكون عالما بما لا بد منه من العربية واختلاف معاني العبارات لاختلاف المعاني باختلاف العبارات في الدعاوى والاقرار والشهادات. وقال القرافي ما حاصله: يجوز لمن حفظ رواية المذهب وعلم مطلقها ومقيدها وعامها وخاصها أن يفتي بمحفوظه منها، وما ليس محفوظا له منها لا يجوز له تخريجه على ما هو محفوظ له منها إلا إن حصل علم أصول الفقه وكتاب القياس وأحكامه وترجيحاته وشرائطه وموانعه وإلا حرم عليه التخريج. قال: وكثير من الناس يقدمون على التخريج دون هذه الشرائط بل صار يفتي من لم يحط بالتقييدات ولا التخصيصات من منقول إمامه وذلك فسق ولعب. وشرط التخريج على قول إمامه أن يكون القول المخرج عليه ليس مخالفا للاجماع ولا لنص ولا لقياس جلي، لان القياس عليه حينئذ معصية وقول إمامه ذلك غير معصية لأنه باجتهاد أخطأ فيه فلا يأثم. وتحصيل حفظ القواعد الشرعية إنما هو بالمبالغة في تحصيل مسائل الفقه بأصولها وأصول الفقه لا تفيد ذلك، ولذا ألفت هذا الكتاب المسمى بالقواعد. قلت: قوله ليس مخالفا للاجماع ولا لنص أما الاجماع فمسلم، وأما النص فليس كذلك لنص مالك في كتاب الجامع من العتبية وغيره على مخالفة نص الحديث الصحيح إذا كان العمل بخلافه انتهى. وكلام القرافي هذا في الفرق الثامن والتسعين، وقول ابن عرفة في أول الكلام. وعلم مطلقها ومقيدها وعامها وخاصها أن يفتي بمحفوظه. عبارة القرافي: فهذا يجوز له أن يفتي بجميع ما يحفظه وينقله من مذهبه اتباعا لمشهور ذلك المذهب بشروط الفتيا انتهى. واختصر ابن عرفة كلامه فيه جدا. قال القرافي في الفرق المذكور: وكل شئ أفتى به المجتهد فوقعت فتياه فيه على خلاف الأصل والقواعد والاجماع والنص والقياس الجلي السالم عن المعارض الراجح، لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس ولا يفتي به في دين الله تعالى، فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا نقره إذا لم يتأكد، وهذا لم يتأكد فلا نقره والفتيا بغيره شرع حرام فالفتيا بهذا حرام. وإن كان الامام