أفضل من تطوع الحج. قال ابن عرفة في أوائل الجهاد ابن سحنون: وروى ابن وهب تطوع الجهاد أفضل من تطوع الحج انتهى. وبهذه الرواية أفتى ابن رشد في نوازله كما سيأتي. ويؤخذ حكم الصورة الثانية بالأحروية على المشهور وهو تقديم الحج على الجهاد ندبا على القول بالتراخي ووجوبا على القول بالفور وعلى مقابل المشهور أعني رواية ابن وهب المتقدمة تجري على الخلاف في الحج هل هو على الفور فيقدم، أو على التراخي فيكون تقديمه كالنفل فيقدم عليه الجهاد ندبا في غير حق حماة الدين والقائمين به وجوبا في حقهم لأن الجهاد صار فرضا عليهم بتعينهم له. فهو أولى من تقديم الحج إلا من بلغ المعترك فيتعين عليه الحج لأن الحج فرض عين بالأصالة والجهاد إنما صار فرضا عليهما بتعينهم له والله أعلم. وسيأتي كلام ابن رشد. وحكم الثالثة تقديم الجهاد كما تقدم. وأما الرابعة فإن قلت: الحج على التراخي فيقدم الجهاد، وإن قلنا إنه على الفور نظر إلى كثرة الخوف المتوقع. وقلته هذا ما ظهر لي فيها ولم أر فيها نصا إلا أنه يؤخذ من مفهوم قوله وأما الغزو مع الخوف فلا شك أنه أفضل من حج التطوع وأن الفرض بخلاف ذلك. ويؤخذ من كلامه في الأجوبة إجراؤها على القولين في فورية الحج وتراخيه. فعلى الفور يقدم الحج، وعلى التراخي يؤخر. وهو إن كان لم يذكر الخوف لكنه معلوم لأن بلاد الأندلس كانت إذ ذاك فيها الخوف.
وهذا كله فيما إذا لم يجب الجهاد على الأعيان بأن يفجأ العدو مدينة قوم فإن وجب فلا شك في تقديمه كما سيأتي في كلام ابن رشد في الأجوبة ونصه: جوابك رضي الله عنك فيمن لم يحج من أهل الأندلس في وقتنا هذا، هل الحج أفضل له أم الجهاد؟ وكيف إن كان قد حج الفريضة؟ فأجاب: فرض الحج ساقط عن أهل الأندلس في وقتنا هذا لعدم الاستطاعة التي جعلها الله شرطا في الوجوب لأن الاستطاعة القدرة على الوصول مع الامن على النفس والمال وذلك معدوم في هذا الزمان، وإذا سقط فرض الحج لهذه العلة صار نفلا مكروها لتقحم الغرر فيه،. فبان بما ذكرناه أن الجهاد الذي لا تحصى فضائله في القرآن والسنة المتواترة والآثار أفضل منه وأن ذلك أبين من أن يحتاج فيه إلى السؤال عنه. وموضع السؤال إنما هو فيمن قد حج الفريضة والسبيل مأمونة هل الحج أفضل أم الجهاد؟ والذي أقول به إن الجهاد له أفضل لما ورد فيه من الفضل العظيم، وأما من لم يحج الفريضة والسبيل مأمونة فيتخرج ذلك على الخلاف في الحج هل هو على الفور أو على التراخي. وهذا إذا سقط فرض الجهاد عن الأعيان لقيام من قام به، وأما في المكان الذي يتعين فيه على الأعيان فهو أفضل من حج الفريضة قولا واحدا للاختلاف فيه هل هو على الفور أو على التراخي وبالله التوفيق.
وسئل عن أهل العداوة هل هم كأهل الأندلس؟ فقال: سبيلهم سبيل أهل الأندلس إذا كانوا لا يصلون إلى مكة إلا بخوف على أنفسهم أو أموالهم، وإن كانوا لا يخافون على أنفسهم ولا على أموالهم فالجهاد لهم عندي أفضل من تعجيل الحج إذا قد قيل إنه على التراخي وهو