طاعة الله بالجهاد وليحصل له المال من الغنيمة فهذا لا يضره ولا يحرم عليه بالاجماع لأن الله جعل له هذا في هذه العبادة ففرق بين جهاده ليقول الناس هذا شجاع أو ليعظمه الامام فيكثر عطاءه من بيت المال هذا ونحوه رياء حرام، وبين أن يجاهد لتحصيل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو مع أنه قد شرك. لا يقال لهذا رياء بسبب أن الرياء أن يعمل ليراه غير الله من خلقه والرؤية لا تصح إلا من الخلق فمن لا يرى ولا يبصر، ولا يقال في العمل بالنسبة إليه رياء والمال المأخوذ في الغنيمة ونحوه لا يقال إنه يرى ويبصر فلا يصدق على هذه الأغراض لفظ الرياء لعدم الرؤية فيها.
وكذلك من حج وشرك في حجه غرض المتجر ويكون جل مقصوده أو كله السفر للتجارة خاصة ويكون الحج إما مقصودا مع ذلك أو غير مقصود ويقع تابعا اتفاقا، فهذا أيضا لا يقدح في صحة الحج ولا يوجب إثما ولا معصية. وكذلك من صام ليصح جسده أو ليحصل له زوال مرض من الأمراض التي ينافيها الصوم ويكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده والصوم مقصود مع ذلك وأوقع الصوم مع هذه المقاصد لا يقدح في صومه بل أمر بها صاحب الشرع في قوله يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع. فأمر (ص) بالصوم لهذا الغرض ولو كان ذلك قادحا لما يأمر به (ص) في العبادة إلا معها. ومن ذلك أن يجدد وضوء ليحصل له التبرد أو التنظف وجميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم الخلق بل هل لتشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك ولا تصلح للادراك ولا للتعظيم وذلك لا يقدح في العبادات فظهر الفرق بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك فيها غرض آخر غير الخلق مع الجميع تشريك. نعم لا يمنع أن هذه الأغراض المخالطة للعبادة قد تنقص الاجر وأن العبادة إذا تجردت عنها زاد الاجر وعظم الثواب، أما الاثم والبطلان فلا سبيل إليه ومن جهته حصل الفرق لا من جهة كثرة الثواب وقلته انتهى.
وظاهر كلامه أن التشريك بجميع وجوهه لا يحرم وليس كذلك لأن الاخلاص فرض ومن كان الباعث الأقوى عليه باعث النفس لم يخلص. وظاهر كلامه أيضا أن مطلق الرياء ولو قل يحبط العمل ويصير لا ثواب له أصلا وفيه نظر.
وانظر أول كتاب الجهاد من البيان وقد حرر الكلام في ذلك حجة الاسلام أبو حامد الغزالي في كتاب الاخلاص من رفع المنجيات وكتاب الرياء من المهلكات وفي المنهاج.