مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٤٧٧
الاجماع على ذلك. وقد يقال: إن هذا الشرط مستغنى عنه بما تقدم من اشتراط الامن على النفس والمال في الاستطاعة خصوصا إذا جعلنا التشبيه في قولنا كالبر راجعا لجميع ما تقدم في المسير من البر من اشتراط أن لا تلحقه مشقة عظيمة وأن يأمن على نفسه وماله من اللصوص وأصحاب المكوس على التفصيل المتقدم في البر، فيكون التشبيه راجعا لذلك كله إلا أن يقال: التشبيه أفاد اشتراط الامن من اللصوص وأصحاب المكوس، وهذا الكلام أفاد اشتراط الامن من البحر نفسه، أو يقال: التشبيه إنما هو في كونه طريقا يجب سلوكه فقط وأفاد هذا الكلام بيان شروط ركوبه. أو يقال: لعل المصنف إنما نبه على هذا الشرط وإن فهم مما تقدم لمزيد الاعتناء به لأنه إذا فقد فقد حرم السفر حينئذ في البحر والله أعلم. وغلبة العطب فيه بأمور منها: ركوبه في غير إبانه وعند هيجانه. قال ابن معلى.
تنبيه: يجب على من أراد السفر في البحر أن لا يركب الغرر المتفق على تحريمه وهو ركوبه في غير إبانه ووقت هيجانه. حكى الاتفاق على ذلك القاضي في إكماله. فإن قلت:
فعين لنا هذا الوقت حتى نجتنبه. قلت: قد نص بعض العلماء على أنه يرجع في ذلك لأهل الخبرة بهذا الشأن فإن قالوا إن الغالب فيه العطب امتنع ركوبه. وقد نص الداودي على أن من ركب البحر عند سقوط الثريا برئ من الله تعالى. ومنها كون ذلك البحر مخوفا تندر السلامة فيه. قال في التوضيح قال القاضي أبو الحسن: إن كان البحر مأمونا يكثر سلوكه للتجار وغيرهم فإنه لا يسقط فرض الحج، وإن كان بحرا مخوفا تندر السلامة منه ولا يكثر ركوب الناس له فإن ذلك يسقط فرض الحج انتهى. ومنها خوف عدو الدين أو المفسدين من المسلمين والله أعلم.
تنبيه: تلخص من النصوص المتقدمة أنه إذا غلب العطب في الطريق حرم الخروج. وقال البرزلي: سئل اللخمي فيمن خرج حاجا في طريق مخوفة على غرر ويغلب على ظنه أنه لا يسلم، هل هو من الالقاء باليد إلى التهلكة أو هو مأجور بسبب قصده إلى فريضة الحج والتقرب فالنقل إن كان قد حج أم ليس بمأجور ولا مأثوم؟ فأجاب: الحج مع هذه الصفة من الغرر ساقط، وتحامله بعد ذلك لا يسلم فيه من الاثم. قال البرزلي: هذا بين على ما حكى ابن رشد من شرط جواز تغيير المنكر أن لا يخاف على نفسه، وأما ما اختاره عز الدين من أنه جائز ولو خاف على نفسه لأن كثيرا ممن رأيته فعل ذلك وسلم فحمل الامر على الغالب فكذلك يكون هنا إذا صلحت نيته. وهذا إذا كان يعلم أنه يؤدي فرائض الصلاة وتوابعها. انتهى فتأمله والله أعلم. وأما الشرط الثاني أعني قوله أو يضيع ركن صلاة لكميد فمعناه أن شرط ركوب البحر للحج فأحرى لغيره أن يعلم الراكب أنه يوفي بصلاته في أوقاتها من غير أن يضيع شيئا من فروضها. وهذا أيضا ليس خاصا بالبحر بل هو شرط في وجوب الحج مطلقا. قال في المدخل: قال علماؤنا: إذا علم المكلف أنه تفوته صلاة واحدة إذا خرج إلى الحج فقد سقط
(٤٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 472 473 474 475 476 477 478 479 480 481 482 ... » »»
الفهرست