من علم بحالهم إعانتهم بما تيسر في الوقت ولو بالشربة والشربتين واللقمة واللقمتين ويعرفهم أن ما ارتكبوا محرم عليهم لا يجوز لهم أن يعودوا لمثله. وقال النووي في مناسكه إنه يواسيهم ولا يوبخهم في خروجهم بلا زاد ولا راحلة. ونص كلام صاحب المدخل إثر كلامه المتقدم في شرح قوله لا بدين أو عطية وبعضهم لا يصل إليهم يعني الظلمة بنفسه ولا يقدر على التوصل إليهم بغيره فيخرج بغير زاد ولا مركوب فتطرأ عليه أمور عديدة كان عنها في غنى.
منها عدم القدرة على أداء الصلاة وهو متعد في ذلك، ومنها عدم القدرة والوقوع في المشقة والتعب وتكليف الناس القيام بقوته وسقيه وربما آل أمره إلى الموت وهو الغالب فتجدهم في أثناء الطريق طرحي ميتين بعد أن خالفوا أمر الله تعالى في حق أنفسهم، فمن علم بحالهم من أهل الركب في إثمهم وكذلك يأثم كل من أعانهم بشئ لا يكفيهم في أول أمرهم أو سعى لهم فيه إلا أن يعلم أن غيره يعينهم بشئ تتم به كفايتهم في الذهاب والعود فلا بأس إذن.
فإن لم يعلم ذلك حرم عليه الاعطاء لهم لأن ذلك سبب لدخولهم فيما لا قدرة لهم عليه من العطش والجوع والتعب والافضاء إلى الموت وهو الغالب، فيكون شريكا لهم فيما وقع بهم وفيما يقع من بعضهم من التسخط والضجر والسب. وهذا بخلاف ما إذا كانوا في الطريق على هذه الحال فإنه يتعين على من علم بحالتهم إعانتهم بما تيسر في الوقت ولو بالشربة والشربتين واللقمة واللقمتين، ويعرفهم أن ما ارتكبوا محرم عليهم لا يجوز لهم أن يعودوا لمثله.
انتهى والله أعلم. ص: (واعتبر ما يرد به إن خشي ضياعا) ش: لما قدم أولا أن المعتبر في الاستطاعة إمكان الوصول خشي أن يتوهم أنه لا يعتبر ما يرد به فقال: ويعني أنه يعتبر في الاستطاعة ما يوصل المكلف إلى مكة وما يرد به إن خشي على نفسه الضياع في مكة، واعتبر ما يرد به ومراده ما يرد به إلى أقرب المواضع مما يمكنه التمعش فيه. كذا قال اللخمي وساقه على أنه المذهب واقتصر عليه ابن عرفة وصدر به في الشامل. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: وفي اعتبار ما يرد به مشهورها لأقرب الأماكن التي يرتجى فيها معاشه انتهى. ونص كلام اللخمي: المراعى في الزاد والمركوب ما يبلغ دون الرجوع إلا أن يعلم أنه إن بقي هناك ضاع وخشي على نفسه فيراعى ما يبلغه ويرجع به إلى أقرب المواضع مما يمكنه التمعش فيه انتهى. وعلى ما قاله اللخمي حمل الشارح كلام المصنف، ولا يستقيم حمل كلامه على ما حكاه ابن معلى عن بعض المتأخرين من اعتبار الذهاب والرجوع إلى بلده. وقال المصنف في مناسكه: إنه الظاهر لأنه صاحب هذا القول لم يشترط خوف الضياع، فلما اشترطه المصنف