إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٢ - الصفحة ٣٤٢
وقد أبدى العلامة الكردي في حاشيته الكبرى حكمة لطيفة لكون ميقات المدينة أبعد المواقيت، وعبارته: ظهر للفقير في تقرير حكمة ذلك هو أن يقال: إن الله اختار لنبيه (ص) لكونه أفضل الأنبياء أفضل المواقيت، لبعده عن مكة، فتعظم المشقة والاجر على قدر النصب ومنح أهل بلدته الشريفة هذه الفضيلة ببركة جواره (ص)، واقتفائهم طريقه التي سلكها (ص)، فكل من جاء من المدينة من الآفاق، وسلك الطريق التي سلكها (ص)، وجب حقه عليه (ص) بتطفله على فسيح بابه، فمنح بالفضل العظيم الذي منه وجوب شفاعته (ص) له، لاستحقاقه إياها بالوعد الصادق منه (ص)، فصار لعدم تطرق احتمال خلف فيه كأنه واجب حقيقي، بل أبلغ منه إذ قد يوجد تخلف عن الواجبات من بعض المكلفين وشفاعته الخاصة المرادة في مثل هذا المقام لا تكون إلا لمن ختم له بالايمان. وهو رأس مال الدنيا والآخرة.
ومنه الاحرام مما أحرم منه (ص) لينال فضيلة مشقة مصابرة الاحرام من أبعد المواقيت. وأيضا. ينال فضيلة ابتاعه (ص) بالاحرام منه، فهي تربو على كل فضيلة. ألا ترى إلى قول أئمتنا بتفضيل الحج راكبا على الحج ماشيا مع ما ورد فيه من الفضل مما لم يرد مثله في حق الراكب؟
قالوا: لكن في فضيلة الاتباع ما يربو على ذلك، وبتفضيل صلاة الظهر بمنى يوم النحر عليها في المسجد الحرام، فكيف بما حوى فضيلتي الاتباع وعظم المشقة؟ اه‍.
(قوله: ومن الشام إلخ) معطوف على من المدينة، أي وهو للمتوجه من الشام ومصر والمغرب. (قوله: الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وهي قرية كبيرة بين مكة والمدينة، وهي أوسط المواقيت سميت بذلك لان السيل أجحفها أي أزالها فهي الآن خراب، ولذلك بدلوها الآن برابغ، وهي قبل الجحفة بيسير، فالاحرام من رابغ مفضول لتقدمه على الميقات إلا إن جهلت الجحفة، أو تعسر بها فعل السنن للاحرام من غسل ونحوه، أو خشي من قصدها على ماله، فلا يكون مفضولا. (قوله: ومن تهامه اليمن) معطوف على من المدينة أيضا، أي وهو للمتوجه من تهامه اليمن، وهي اسم للأرض المنخفضة، ويقابلها نجد، فإن معناه الأرض المرتفعة، واليمن الذي هو إقليم معروف، مشتمل على نجد وتهامة، وفي الحجاز مثلهما. (وقوله: يلملم) بفتح التحتية أوله، أو يقال له ألملم بهمزة أوله. ويقال له أيضا يرمرم براءين مهملتين. وهو جبل من جبال تهامة، بينه وبين مكة مرحلتان طويلتان. (قوله: ومن نجد واليمن والحجاز) معطوف أيضا على من المدينة، أي وهو للمتوجه من نجد واليمن والحجاز، أي من الأرض المرتفعة منهما كما تقدم. وقوله: قرن بفتح القاف وسكون الراء، هو جبل على مرحلتين من مكة، ويقال له قرن المنازل، وقرن الثعالب. وأما قرن بفتح الراء فهو اسم قبيلة ينسب إليها أويس القرني رضي الله عنه. (قوله: ومن المشرق) معطوف على من المدينة أيضا، أي وهو للمتوجه من المشرق، وهو إقليم تشرق الشمس من جهته، شامل للعراق وغيره. (وقوله:
ذات عرق) هي قرية خربة في طريق من طرق الطائف، أرضها سبخة تنبت الطرفاء، بينها وبين مكة مرحلتان. وعرق بكسر العين المهملة، وسكون الراء جبل صغير مشرف على وادي العقيق.
(تنبيه) قد نظم بعضهم المواقيت مع بيان مسافتها، فقال:
قرن يلملم ذات عرق كلها * في البعد مرحلتان من أم القرى ولذي الحليفة بالمراحل * عشرة وبها لجحفة ستة فأخبر ترى والأصل فيها خبر الصحيحين: أنه (ص) وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم. وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة.
(قوله: وميقات العمرة لمن بالحرم الحل) أي فيلزمه الخروج إليه، ولو بأقل من خطوة، ليحصل له فيها الجمع بين
(٣٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 ... » »»
الفهرست