إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٢ - الصفحة ٣٣٥
وفي بهجة الأنوار: إن الحجر الأسود كان في الابتداء ملكا صالحا، ولما خلق الله آدم وأباح له الجنة كلها إلا الشجرة التي نهاه عنها، ثم جعل ذلك الملك موكلا على آدم أن لا يأكل من تلك الشجرة، فلما قدر الله تعالى أن آدم يأكل من تلك الشجرة غاب عنه ذلك الملك، فنظر تعالى إلى ذلك الملك بالهيبة فصار جوهرا ألا ترى أنه جاء في الأحاديث:
الحجر الأسود يأتي يوم القيامة وله يد، ولسان، وأذن، وعين، لأنه كان في الابتداء، ملكا؟
(تنبيه) خمسة أشياء خرجت من الجنة مع آدم عود البخور، وعصا موسى من شجر الآس وأوراق التين التي كان يستتر بها آدم والحجر الأسود، وخاتم سليمان. ونظمها بعضهم في قوله:
وآدم معه أهبط العود والعصا * لموسى من الآس النبات المكرم وأوراق تين واليمين بمكة * وختم سليمان النبي المعظم وزاد بعضهم: الحجر الذي ربطه نبينا على بطنه، ومقام إبراهيم، وهو الحجر الذي كان يقف عليه لبناء البيت فيرتفع به حتى يضع الحجر، ويهبط حتى يتناوله من إسماعيل، وفيه أثر قدميه.
(قوله: محاذيا) حال من الضمير في بدؤه، العائد على الطائف. (وقوله: له) أي للحجر الأسود، كله أو بعضه، فلا يشترط محاذاة كله. (وقوله: في مروره) أي في حال مروره. (قوله: ببدنه) متعلق بمحاذيا. (قوله: أي بجميع شقه الأيسر) تفسير مراد للبدن أي أن المراد بالبدن جميع الشق الأيسر، فهو على سبيل المجاز المرسل، والعلاقة الكلية والجزئية، والمراد أيضا بجميع الشق الأيسر مجموعه، وهو أعلاه المحاذي لصدره، وهو المنكب. وذلك لان المحاذاة لا تكون إلا به كما هو ظاهر وعبارة التحفة: تنبيه يظهر أن المراد بالشق الأيسر أعلاه المحاذي للصدر، وهو المنكب، فلو انحرف عنه بهذا، أو حاذاه ما تحته من الشق الأيسر، لم يكف. اه‍. ثم إن ما ذكر من اشتراط المحاذاة مفروض في الابتداء، أما الانتهاء فيجب أن يكون الذي حاذاه في آخر الطواف هو الذي حاذاه في أوله، ومقدما إلى جهة الباب، ليحصل استيعاب البيت بالطواف. وزيادة ذلك الجزء احتياط فلو حاذى أولا طرفه مما يلي الباب، اشترط أن يحاذيه آخرا. وهذه دقيقة يغفل عنها. (قوله: وصفة المحاذاة) أي الكيفية التي تحصل بها المحاذاة، وهذه الكيفية ليست بواجبة، بل هي الفاضلة، وذلك لأنه لو ترك الاستقبال المذكور وحاذى الطرف مما يلي الباب بشقه الأيسر أجزأه، وفاتته الفضيلة. (قوله: أن يقف) أي مستقبلا للبيت. وقوله: بجانبه أي الحجر الأسود. وقوله: من جهة اليماني متعلق بيقف. أي يقف من جهة الركن اليماني. وقوله: بحيث إلخ الباء لتصوير الوقوف بجانبه، أي يقف وقوفا مصورا بحالة هي أن يصير جميع الحجر الأسود عن يمينه، أي ويصير منكبه الأيمن عند طرفه. (قوله: ثم ينوي) أي ثم بعد وقوفه المذكور ينوي الطواف. (قوله: ثم يمشي مستقبله) أي ثم بعد النية يمشي إلى جهة يمينه مستقبلا للحجر. وقوله: حتى يجاوز أي يمشي مستقبلا إلى أن يجاوز الحجر. والمراد إلى أن يبدأ في المجاوزة بحيث يحاذي منكبه طرف الحجر، وليس المراد إلى تمام المجاوزة، بدليل قوله فحينئذ إلخ كما ستعرفه. وعبارة غيره: إلى أن يحاذي منكبه طرف الحجر، فينحرف حينئذ، ويجعل جميع يساره لطرف الحجر. اه‍. وهي ظاهرة. وهذا على ما جرى عليه شيخه ابن حجر. أما على ما جرى عليه م ر: فالمراد إلى تمام المجاوزة، لان الانفتال عنده يكون بعدها، لا في حال المجاوزة.
(قوله: فحينئذ ينفتل) أي حين المجاوزة ينفتل، لا بعدها على ما جرى عليه ابن حجر أما على ما جرى عليه الرملي:
فالانتقال يكون بعدها كما علمت ولا بد من استحضار النية عند هذا الانفتال، لأنه أول الطواف، وما قبله مقدمة له.
(قوله: ويجعل يساره للبيت) معطوف على ينفتل، أي حينئذ يجعل يساره، ويصح جعل الواو للحال، أي ينفتل حال كونه جاعلا يساره. ويدل على هذا عبارة التحفة ونصها: فينفتل جاعلا يساره محاذيا جزءا من الحجر بشقه الأيسر. اه‍.
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»
الفهرست