طلاقها، وكما أنه لو وكلها بفراق زوجة له أخرى، وأمرها أن شاءت الزوجة الأخرى الفراق أن تطلقها فشاءته المرأة فطلقها وأنفذت ما جعل إليها من فراقها كان اخراجه ذلك جايزا عليها إذ جعله إلى هذه ومنه إليها أخرجه، فأجزنا تطليقها لنفسها بأمره كما أجزنا تطليقها لغيرها بأذنه، والنساء في جميع الأشياء من الوكالات وغيرهن من الأحوال يقمن إذا وكلن في الحكم مقام الرجال يجب لهن ما يجب لهم، ويثبت عليهن ما يثبت عليهم، ألا ترى أن رجلا لو قال: لمملوكته قد جعلت أمر عتقك إليك فأعتقي متى شئت نفسك فقد جعلت ذلك في يدك وأجزت فيه قولك فقالت الجارية: فإني قد أعتقت نفسي بأمرك، فأنا حرة لوجه الله جاز ذلك على سيدها، وعتقت بقولها، لا يختلف في ذلك عاقلان، ولا يشك فيه جاهلان، وكذلك لو قال لها: قد جعلت عتق ولدك إليك وأجزت فيهم فعلك وعتقك، فأعتقيهم متى شئت، فقالت: قد أعتقهم بأمرك وحررتهم لوجه الله، جاز ذلك عليه وصاروا أحرارا غير مملوكين وبانوا بإبانتها لهم عتقاء محررين.
قال: ولو أن رجلا قال لنسائه: اخترنني أو أنفسكن فاخترنه لم بكن ذلك عندنا بطلاق ولم يلزمه في قوله وقولهن فراق، وإن هن اخترن أنفسهن كانت تطليقة، وفي ذلك ما كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين خير نسائه بأمر الله له، وذلك قول الله عز وجل: ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما﴾ (19) ففعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أمره الله به من تخييرهن