قيل: إذا اختلفت الصحابة في تأويل آية وجب أن يرجح قول بعضهم وتأويلنا أولى من وجوه:
أولها: إن جواز التيمم للجنب المسافر مستفاد من آخر الآية وهو قوله تعالى:
وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا، وإذا كان هذا الحكم مستفادا من آخرها فكيف يحمل أولها عليه لأنه لا فائدة له، فكان حمل الخطاب على فائدة أولى من حمله على التكرار.
والثاني: هو أن الإضمار في الكلام بمنزلة ترك الحقيقة فيه، لأنه إذا أمكن حمله على الحقيقة فلا وجه لحمله على المجاز، وإذا أمكن حمله على ظاهره فلا معنى للإضمار فيه، فصار الإضمار وترك الحقيقة سواء.
وإذا كانا سواء فقد تركنا حقيقة كلمة واحدة، وأنتم أضمرتم في آخر الآية إضمارين فقلتم: ولا جنبا، إلا لمسافر عادم للماء وتيمم، فقد أضمرتم عدم الماء والتيمم بعد عدمه، فمن أضمر في الخطاب إضمارا واحدا كان أولى ممن أضمر إضمارين كما إن من حمله على ظاهره أولى ممن أضمر فيه إضمارا واحدا.
والثالث: إذا حملنا الصلاة على المسجد حملنا اللفظ على العموم لأنه يقتضي أن لا يقرب الجنب المسجد أبدا إلا عابر سبيل.
وهم إذا حملوا الصلاة على حقيقتها حملوا قوله إلا عابري سبيل على الخصوص فإنه يقتضي أن لا يجوز للجنب أن يصلي بالتيمم أبدا إلا للمسافر عند عدم الماء وهذا مخصوص لأنه يجوز لغيره وهو الجريح والمريض في الحضر إذا خافا التلف من استعمال الماء فكان حملها على العموم أولى من حملها على الخصوص.
والرابع: إن حقيقة الاستثناء ما كان من جنس المستثنى منه وإذا كان من غير جنسه كان مجازا.
ونحن إذا حملنا الصلاة على المسجد، جعلنا الاستثناء من جنسه، لأن الجنب