الينابيع الفقهية - علي أصغر مرواريد - ج ٢ - الصفحة ٥٣٩
فلا يتوهم متوهم إذا وقف على ذلك المسطور أنه صحيح ظاهره، والدليل على طهارة دم السمك أنه لا خلاف في جواز أكله بدمه من غير أن يسفح دمه، أ لا ترى أن سائر الدماء لما كانت نجسة لم يجز أكل الحيوان الذي هي فيه إلا بعد سفحها، وأيضا قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه - إلى قوله - أو دما مسفوحا، فأخبر تعالى أن ما عدا المسفوح ليس بمحرم، ودم السمك ليس بمسفوح فوجب أن لا يكون محرما، وأيضا قوله تعالى:
أحل لكم صيد البحر وطعامه، يقتضي ظاهره إباحة أكل السمك وطهارته بجميع أجزائه لأن التحليل يقتضي الإباحة من جميع الوجوه، فإن قال قائل: كما أنه تعالى خص الدم المسفوح بالآية التي ذكرتم فقد عم أيضا سائر الدماء بقوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم وهذه الآية تقتضي تحريم سائر الدماء المسفوح وغيره، قلنا: دم السمك مخصوص من الآية العامة بما قدمناه من الدلائل، وبعد فإن الله تعالى لما قال: حرمت عليكم الميتة، وقال النبي صلى الله عليه وآله: أحلت لنا ميتتان، وقال تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه، ثم اتفقوا على أن آية الإباحة مرتبة على آية الحظر كأنه تعالى قال: حرمت عليكم الميتة إلا الجراد والسمك، فوجب أن يكون حكم الدم كذلك وتكون آية الإباحة مرتبة على آية الحظر، ويكون التقدير: حرمت عليكم الميتة والدم إلا دم السمك وما أشبهه مما ليس بمسفوح، وأيضا فإن العام يبني على الخاص والمطلق على المقيد، مثاله، إذا ورد حكم مطلق في موضع ثم ورد ذلك الحكم بعينه في موضع آخر مقيدا بصفة فإن مطلقه يكون محمولا على مقيده ويتبين بذلك التقييد مراد المخاطب بالمطلق، وهذا مما لا خلاف فيه بين من تكلم في أصول الفقه. فأما مسألة الخلاف أن يثبت حكم في موضع مطلقا ثم يرد ما هو من جنس ذلك الحكم لا بعينه في موضع آخر مقيدا، فهل يجب حمل المطلق هاهنا على ذلك المقيد أم لا؟ الصحيح من الأقوال أن لكل منها حكم نفسه لأنهما حكمان متغايران وإن كان جنسهما واحدا، ومثاله كفارة الظهار مطلقة، وكفارة قتل الخطأ مقيدة، فلا يحمل المطلق على المقيد هاهنا إلا بدليل منفصل لأنه يكون قياسا والقياس متروك عند أهل البيت عليهم السلام. وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لا بأس بدم ما لم يذك. فأما الكلام في دم البق والبراغيث وما أشبههما، فالدليل على ما ذهبنا إليه فيها الآية التي تقدمت وهو قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلى - إلى قوله: أو دما
(٥٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 534 535 536 537 538 539 540 541 542 543 544 ... » »»
الفهرست