إلى دليل وزيادة في القرآن وإضمار ما لم يقم عليه دليل عقلي ولا سمعي، وأيضا فالإجماع منعقد بغير خلاف أن بمجرد غسل الجنابة تستباح الصلاة على ما مضى شرحنا له وهذا قد اغتسل بغير خلاف ولم يحدث بعد غسله وكما له ما ينقض طهارته، ويزيد ما اخترناه وضوحا ما ذكره السيد المرتضى في مسائل خلافه عند مناظرة المخالفين في الماء المستعمل في الطهارة الصغرى والكبرى، قال: الماء المستعمل عندنا طاهر مطهر يجوز الوضوء والاغتسال به، وذلك مثل أن يجمع الانسان وضوءه من الحدث أو غسله من الجنابة في إناء نظيف ويتوضأ به ويغتسل به دفعة أخرى بعد أن لا يكون على بدنه شئ من النجاسات، واستدل فقال: لو كان استعمال الماء يمنع من جواز الطهارة به لكان ملاقاته لأول العضو موجبا لاستعماله ومانعا من إجرائه على بقية العضو وهذا يقتضي أن يأخذ لكل جزء ماء جديدا، فلما اتفقوا على أن صب أحدنا الماء على رأسه وإفاضته على بدنه يجزئه في الطهارة مع ملاقاته لأول جزء من بدنه دل ذلك على أن استعمال الماء لا يمنع من الوضوء به.
فإن قالوا: الماء لا يحكم له بحكم الاستعمال حتى يسقط عن جميع العضو ويفارقه، وما دام على العضو فليس بمستعمل.
قلنا لهم: لا فرق بينكم وبين من قال: والماء لا يحكم له بحكم الاستعمال حتى يسقط عن الأعضاء كلها لأن حكم الحدث لا يزول والطهارة لا تتم إلا لاستعماله بعد غسل كلها لأنها تجري مجرى العضو الواحد في حكم العضو فإذا جعلتموه مستعملا في أحد الأعضاء دون جميعها لزمكم أن يكون مستعملا في بعض العضو.
قال محمد بن إدريس: هذا آخر كلام المرتضى رحمه الله أ لا ترى إلى قوله: لأن حكم الحدث لا يزول والطهارة لا تتم إلا بغسل كلها لأنها تجري مجرى العضو الواحد؟ فإذا كانت الأعضاء تجري مجرى العضو الواحد فغسل بعضها غير معتد به وبقية بعضها مثل بقيتها جميعها وحكمه حكمها قبل الشروع فيها فليلحظ ما قد حققه رضي الله عنه. وقد يوجد في بعض الكتب أن للجنب أن يغسل رأسه بالغداة ثم يغسل سائر جسده بالعشي، فيعتقد من يقف على ذلك أن المراد بالعشي دخول الليل والعشاء الأول، والمراد بالعشي في هذا الموضع خلاف ما اعتقده من يعتقده بل المراد بالعشي هنا آخر النهار، قال حميد بن ثور الهلالي: