أراد: يجب تقديم الوضوء على الغسل فغير صحيح بغير خلاف، والذي يدل على ما اخترناه من القولين قول الله تعالى:: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فأوجب على كل قائم إلى الصلاة مسح بعض الرأس ومسح الرجلين، فمن استباح الصلاة بمجرد الغسل لم يمتثل الأمر ولا أتى بالمأمور لأنه ما مسح، والله تعالى أمرنا إذا أردنا الصلاة أن نكون غاسلين ماسحين فإن قيل: هذا يلزمكم مثله في غسل الجنابة قلنا أنت موافق لنا في غسل الجنابة ودليل ذلك قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا، ومن اغتسل فقد تطهر فما أوجب على الجنب إذا أراد استباحة الصلاة إلا أن يتطهر بالاغتسال فحسب فأخرجنا الجنب بهذا اللفظ وبقي الباقي على عمومه وشموله، وأيضا الاجماع حاصل على استباحة الجنب الصلاة بمجرد الغسل.
وليس ينتقض الوضوء بشئ خارج عما ذكرناه من قلس - بفتح اللام - أو دم سائل أو قئ أو مذي أو ودي - بالدال غير المعجمة - أو مس فرج أو غير ذلك مما وقع الخلاف فيه وذكره يطول. فأما الدود الخارج من أحد السبيلين أو الشيافة أو الحقنة بالمائعات فإن خرج شئ من ذلك خاليا من نجاسة فلا وضوء، وإن كان عليه شئ من العذرة أو البول فحسب، انتقضت الطهارة بما صحبها من ذلك لا بخروج ذلك الشئ.
باب الجنابة وأحكامها وكيفية الطهارة منها:
الجنابة في اللغة هي البعد.
قال الأعشى: أتيت حريثا زائرا عن جنابة، يعني عن بعد.
وهي في الشريعة كذلك لأن الجنب بعد عن أحكام المتطهرين لأن المتطهر يستبيح ما لا يستبيحه الجنب من الجلوس في المساجد وغير ذلك، والجنب بعد عن ذلك لحدثه.
ويصير الانسان جنبا ويتعلق به أحكام المجنبين من طريقين فحسب لا ثالث لهما: أحدهما:
إنزال الماء الذي هو المني سواء خرج دافقا أو مقارنا للشهوة أو لم يكن كذلك، في النوم كان أو في اليقظة وعلى كل حال على ما مضى شرحنا له، والآخر غيبوبة الحشفة على ما ذكرناه