فأما مذهب أصحابنا في هذه المسألة فمعروف، إذا تقابلت البينتان ولم يترجح إحديهما على الأخرى بوجه من الوجوه وأشكل الأمر فإنهم يرجعون إلى القرعة لأن أخبارهم ناطقة متظافرة متواترة في أن كل أمر مشكل فيه القرعة، وهم مجمعون على ذلك وهذا أمر مشكل ولم يرد فيه نص معين فهو داخل في عموم قولهم ع، والذي أعتمده ويقوى عندي ألا تؤثر هذه الشهادة في هذا الماء شيئا لأن الأصل فيه الطهارة والأصل أيضا الإباحة، فمن حظر استعمال هذا ونجسه يحتاج إلى دليل شرعي وليس للقرعة هاهنا طريق، لأن القرعة تستعمل في مواضع مخصوصة، ولا أحد من أصحابنا قال: إذا اشتبهت الأواني أو الثياب أو كان أحد الإنائين نجسا والآخر طاهرا، وكذلك الثوبان إذا اختلطا ولم يتحقق النجس منهما من الطاهر يقرع بينهما بل أطبقوا على ترك استعمال الإنائين، ومسألتنا لم تحقق نجاسة واحد من الإنائين، وليس الرجوع إلى شهادة العدلين بأولى من شهادة العدلين الآخرين، وإنما حصل شك في نجاسة أحدهما ولا نرجع بالشك عن اليقين الذي هو الطهارة والإباحة، والأولى عندي بعد هذا جميعه، قبول شهادة الشهود الأربعة لأن ظاهر الحكم وموجب الشرع، أن شهادتهم صحيحة مقبولة غير مردودة، ولأن شهادة الإثبات لها مزية على شهادة النفي لأنها قد شهدت بأمر زائد قد يخفى على من شهد بالنفي لأن النفي هو الأصل وشهادة الإثبات ناقلة عنه وزيادة عليه فكل من الشاهدين قد شهد بأمر زائد قد يخفى على الشاهدين الآخرين.
وهذا كرجل ادعى على رجل عشرين دينارا وأقام بها شاهدين وأقام المشهود عليه بقضاء العشرين دينارا شاهدين، قبلنا شهادة الشاهدين اللذين شهدا بالقضاء لأنهما أثبتا بشهادتهما أمرا قد يخفى على الشاهدين الأولين، ففي شهادة الآخرين مزية وزيادة حكم، ولهذا أمثلة كثيرة في الشريعة وبهذا القول أفتى وعليه أعمل.
والماء النجس لا يجوز استعماله في الوضوء والغسل معا ولا في غسل الثوب وإزالة النجاسة ولا في الشرب مع الاختيار فمن استعمله في الوضوء أو الغسل أو غسل الثوب ثم صلى بذلك التطهير أو في تلك الثياب وجب عليه إعادة الوضوء أو الغسل، وغسل الثوب بماء طاهر وإعادة الصلاة، سواء كان عالما في حال استعماله لها أو لم يكن عالما، إذا كان قد سبقه العلم بحصول النجاسة فيها، فإن لم يتيقن حصول نجاسة فيها قبل استعماله لها