عند الأئمة الأطهار نزح جميع ماء البئر فإن تعذر فالتراوح على ما شرحنا له. وقد قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مبسوطه: وكل نجاسة تقع في البئر وليس فيها قدر منصوص فالاحتياط يقتضي نزح جميع الماء، وإن قلنا بجواز أربعين دلوا منها لقولهم عليهم السلام:
ينزح منها أربعون دلوا وإن صارت مبخرة، كان سائغا غير أن الأول أحوط. وقال أيضا: ومتى نزل إلى البئر كافر وباشر الماء بجسمه، نجس الماء ووجب نزح جميع الماء، لأنه لا دليل على مقدر منه والاحتياط يقتضي ما قلناه فانظر رعاك الله إلى قول هذا المصنف رحمه الله وانقده واعتبره، إن أراد بقوله: لقولهم ع ينزح منها أربعون دلوا وإن صارت مبخرة، أن أخبارهم بذلك متواترة أو الاجماع عليها، وإن كانت آحادا فلا يجوز العدول عنها، لأن الأخبار المتواترة دليل قاطع وحجة واضحة، وكذلك الاجماع فلا يجوز العدول عن الدليل إلى غيره بل صار الأخذ بذلك هو الواجب الذي لا يجوز العدول عنه إلى غيره لأن فيه الاحتياط والعدول إلى ما سواه هو ترك الاحتياط وضده، وإن أراد بقولهم عليه السلام أخبار آحاد مروية عنهم عليهم السلام فلا يجوز الرجوع إليها ولا العمل بها، لأن خبر الواحد لا يوجب علما ولا عملا كائنا من كان راويه فإن أصحابنا بغير خلاف بينهم، ومن المعلوم الذي يكاد يحصل ضرورة أن مذهب أصحابنا ترك العمل بأخبار الآحاد، ما خالف فيه أحد منهم ولا شذ، فعلى هذا التحرير ما أراد المصنف رحمه الله بقوله إلا الخبر الواحد ولأجل ذلك قال: غير أن الأول أحوط، وهو نزح جميع مائها، وأيضا فقد أجمعنا واتفقنا على نجاسة مائها فيحتاج طهارته إلى إجماع واتفاق مثل الاجماع على النجاسة، ولا إجماع ولا اتفاق إلا إذا نزح جميع الماء فإن تعذر النزح للجميع فالتراوح على ما قدمناه.
وينزح لموت الحية ثلاث دلاء تفسخت أو لم تتفسخ بغير خلاف لأن التفسخ لا يعتبر إلا في الفأرة فحسب، فأما إذا ماتت فيها عقرب أو وزغة فلا ينجس ولا يجب أن ينزح منها شئ بغير خلاف من محصل.
ولا تلتفت إلى ما يوجد في سواد الكتب من خبر واحد أو رواية شاذة ضعيفة مخالفة لأصول المذهب وهو أن الاجماع حاصل منعقد، أن موت ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء ولا المائع، بغير خلاف بينهم. وقد رجع مصنف النهاية عما أورده في نهايته في مصباحه واستبصاره