الجعل ان يكون الداعي إلى الجعل والغرض من البعث نحو الطبيعة الالزام والحتم بالنسبة إلى الوجود الأول والندب بالنسبة إلى سائر الوجودات، وقضية الاطلاق أيضا هذا المعنى، فلابد من القول بجواز الامتثال بعد الامتثال، فان البعث المتعلق بالطبيعة باطلاقه باق بعد الايجاد الأول، وحيث إن الوجوب ساقط جزما فالاطلاق يقتضي الاستحباب، ولا تناقض في هذا البيان كما لا يخفى. ومن غريب الامر ما يقال: ان الامتثال عقيب الامتثال غير معقول ومع ذلك يتمسك بالروايات لاثبات استحباب الإعادة في مفروض المسألة، مع أن الإعادة إعادة تلك الطبيعة ويعلم من ذلك بقاء امرها، ولا سيما مع دلالة الروايات من أنه تجعلها فريضة أو ان الله تعالى يختار أحبهما اليه (1) على أن الثاني أيضا امتثال، والاشكال العقلي لا يندفع بالتعبد كما لا يخفى، واغرب من ذلك ما يظهر منهم في المقام ان المستفاد من الروايات بديل الامتثال لا الامتثال بعد الامتثال، مع أن الظاهر منها الامتثال بعد الامتثال، مضافا إلى أن تبديل الامتثال غير معقول جزما، فان الشئ لا ينقلب عما وقع عليه، والتحقيق ما ذكرنا من أن البعث نحو الطبيعة باطلاقه باق بعد الوجود الأول ولا دليل على سقوطه بذلك، لاحتمال كون البعث نحوها بداعيين طوليين، فمقتضى الاطلاق بعد هذا الاحتمال بقاء البعث، ولا يمكن الا ان يكون استحبابيا، هذا بحسب كبرى المسألة. واما الصغرى فهنا أمران: (أحدهما) متعلق بطبيعة الصلاة (والاخر) بالجماعة فيها، والامر الأول وإن كان ايجابيا الا انه مستفاد من الهيئة، واطلاقه يقتضي البقاء. والامر الثاني استحبابي لا يسقط بالامتثال الأول كما مر، مع أن اطلاق هذا أيضا يقتضي البقاء فالمعادة جائزة على القواعد، ففي جميع الصور المفروضة في المسألة تصح الصلاة والجماعة بحسب القاعدة، وان لا يمكن استفادة ذلك الا فيما ذكره الماتن - قدس سره - من روايات الباب،
(٨٨)