بين الحجية التعيينية والتخييرية كذلك بمعنى المعذرية. واما دوران الامر بينهما بمعنى المنجزية مثل موارد الدوران بين التعيين والتخيير في الاحكام فلا يقتضي الا أصالة البراءة عن التعيين، وكما إذا دار الأمر في مورد بين وجوب صلاة العصر تماما تعيينا أو تخييرا بينه وبين القصر يرجع إلى أصالة البراءة عن الكلفة الزائدة وهو تعين التمام. هكذا إذا فرضنا قيام امارة على وجوب التمام وقيام امارة أخرى على وجوب القصر، والمفروض انه لا يجوز منجز اخر للتكليف مثل العلم الاجمالي وغيره غير هاتين الامارتين، ودار الامر بين أن تكون الأولى حجة تعيينا لوجود رجحان فيه أو تخييرا بينها وبين الثانية، فدار الأمر بين الحجية التعيينة والتخييرية، لكن لا ندري هل يتعين الاخذ بمدلول الأول فقط أو نحن في سعة عن ذلك ويمكننا الاخذ بأيهما نريد؟.
وبعبارة أخرى: العقاب وعدمه لا يترتبان على مخالفة الواقع بما هو واقع بل يترتبان على مخالفة الواقع المنجز. فعند الشك في منجزية امارة وعدمها تجري أصالة البراءة عن التكليف لعدم وصوله إلى المكلف بما يرفع شكه في التكليف. وحيث إن دوران الأمر بين التعيين والتخيير في المنجزية يرجع إلى الشك في منجزية ما احتمل تعينه في المنجزية تعيينا لابد من الرجوع إلى أصالة البراءة للشك في الكلفة الزائدة، هذا. ولكن مقامنا من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير في المعذرية بعد ما صار التكليف منجزا على المكلف بسبب علمه الاجمالي فلابد من تحصيل العذر القطعي ولا يمكن الا بالرجوع إلى مقطوع المعذرية وهو فتوى الأعلم. فتحصل مما ذكرناه انه لابد من الرجوع إلى الأعلم إذا كان مدرك الحكم في هذه المسألة الأصل العملي، والا فمقتضى قيام السيرة المتشرعة