والحاصل: ان الرجوع إلى العالم الديني واخذ المسائل منه أمر مسلم بين جميع الملل والأديان وهذا هو التقليد ونكشف قطعيا عن وجوده في شريعتنا، وهذا أقوى دليل على التقليد، بل يمكن استفادة ذلك من بعض روايات الباب مثل رواية علي بن المسيب قال:
قلت للرضا عليه السلام: ان شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فمن اخذ معالم ديني؟
قال عليه السلام: من زكريا بن ادم القمي المأمون على الدين والدنيا (1). فان سؤاله عمن اخذ معالم ديني يدل على أن هذا امر ارتكازي له وبما انه متدين بالدين يرى أنه لابد من اخذ معالم دينه من أحد ويسأل عمن يعينه الإمام عليه السلام وجوابه عليه السلام أيضا يؤيد ذلك، فان توصيف من عينه بالمأمون على الدين والدنيا بيان لما هو المرتكز عند السائل وهو لزوم اخذ معالم الدين من شخص مأمون على الدين والدنيا وهو ما ذكرنا من التقليد. وهكذا رواية عبد العزيز قال: قلت للرضا عليه السلام: ان شقتي بعيدة فلست أصل إليك في كل وقت فآخذ معالم ديني عن يونس مولى ال يقطين؟ قال عليه السلام: نعم (2). والتقريب عين ما قلناه في الرواية السابقة، ومن الغرائب ان يلتزم بان السؤال في هذه الرواية عن وثاقة يونس وهكذا جواب الامام فيها وفي الرواية السابقة مجرد توثيق لا أزيد. بل المسألة في الروايتين تنشأ من الامر المسلم عند المتدينين وهو لزوم اخذ المتدين معالم دينه من عالم دينه ولذا يسأل الراوي عن تعيين في الأولى وعن أهلية يونس لذلك في الثانية. فالتقليد امر شرعي ليس من قبيل الأمور العقلائية في غير مورده كالطب ورجوع الجاهل إلى العالم وهو جعل العمل على عاتق مرجع التقليد والاستناد اليه في مقام العمل، ودليله السيرة المتشرعة والمتدينين ولو في غير الاسلام