وهذا غير الوجوب التخييري، كما لا يخفى، بل هو امر اخر نعبر عنه باشتراط الوجوب واطلاق المشروعية فكما لا يقال في مورد كون الوضوء حرجيا ان الواجب الوضوء أو التيمم تخييرا وإن كان كل منهما صحيحا مع الاتيان به، فكذا لا نقول بان الواجب في زمان عدم بسط يد الامام الجمعة والظهر تخييرا، بل نقول بان الواجب هو الظهر ويسقط باتيان الجمعة فإنها أيضا مشروعة وان لم تكن واجبة الا مشروطة بإقامة الامام المبسوط اليد.
قال: ومما يدل على ذلك استثناء كل من كان على رأس فرسخين عن المكلف لصلاة الجمعة في عدة من الروايات، فلو كانت الجمعة واجبة تعيينا لكان جعل الحد لغوا محضا، بل كان تجب عليهم الإقامة في محلهم كغيرهم فإنه ليس المراد منهم المسافر، لجعلهم قسيما للمسافر في مقام الاستثناء، ومن البعيد جدا عدم وجود سائر الشرائط كالعدد والاقتدار على الخطبة في الامام في محل اقامتهم فإنه مامن محل لإقامة أحد الا ويوجد فيها سبعة نفر من المسلمين وفيهم امام جماعة ويقتدر على الخطبة ولو بمقدار أقل الواجب، وهذا ظاهر. أقول: لو أثبتنا المنصبية - كما هو ثابت بالأدلة ويأتي إن شاء الله - فوجه عدم الوجوب بالنسبة إلى من كان على رأس فرسخين ظاهر لعدم وجود الامام أو من يقوم مقامه حينئذ. بل لو تنزلنا عن ذلك وقطعنا النظر عن أدلة المنصبية فمع ذلك هذه الروايات لا تدل على الوجوب التخييري، وهذا ظاهر. بل لا دلالة لها على نفي الوجوب التعييني على الاطلاق، فان عدم الوجوب بالنسبة إلى من كان على رأس فرسخين لازم أعم لعدم الوجوب التعييني والوجوب المشروط مع عدم حصول شرطه بالنسبة اليه، فكيف يتمسك به لاثبات عدم الوجوب التعييني على الاطلاق حتى مع حصول الشرط، والمراد من الشرط هنا وجود ولي الأمر (الأعم من الامام أو من نصبه) وبسط يده للإقامة، كما لا يخفى.