نعم يمكن أن يقال أن المتيقن من الأخبار وجوب الفصل بين الاحرامين الكاملين لا الناقصين فيرجع الخلاف إلى وجوب الفصل بين الاحرامين كالعمرتين وعدمه خلافا لما زعمه المدارك.
قال المحقق صاحب الشرايع: (والقارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا وقيل: يأتي بما كان واجبا وإن كان ندبا حج بما شاء من أنواعه وإن كان الاتيان بمثل ما خرج منه أفضل).
وعن العلامة التفصيل بين الواجب والمندوب، ففي الأول هو الحكم بوجوب المماثلة عليه في القابل، خلافا للمندوب يحرم بما شاء في المستقبل.
والبحث فيه من جهتين: مرة على ما اقتضاه القواعد، وأخرى ما يمكن استظهاره من النصوص الواردة في الباب.
أما الأول: إن المحصور إن كان قد أحصر وقد أحرم بالحج قارنا يبعث بهديه وأحل فعليه القضاء في القابل إن كان الحج واجبا معينا، وإلا فندبا: وإن كان مخيرا بينه وبين غيره كأهل مكة فهو الآن مخير أيضا.
وقال المصنف في المتن: القارن لم يحج في القابل إلا قارنا سواء كان الحج واجبا أم مندوبا، والواجب تعيينيا أم تخييريا.
وعن المسالك والمدارك: أنه مشهور، وعن صاحب الجواهر: بل الأكثر، بل المشهور لصحيحي محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام وعن فضالة، عن ابن أبي عمير، عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنهما قالا: القارن يحصر وقد قال واشترط فحلني حيث حبستني، قال: يبعث بهديه قلنا: هل يتمتع في قابل، قال: لا (لكن يدخل بمثل ما خرج منه).
وعن الأستاذ حفظه الله: مقتضى إطلاق قول الراوي وهو (القارن يحصر) و (رجل ساق الهدي) وترك استفصال الإمام عليه السلام شمول الأقسام المتصورة في المسألة، بمعنى أن القارن لم يحج في القابل إلا قارنا سواء كان الحج واجبا أم مندوبا والواجب تعيينيا أم تخييريا.
وما في كشف اللثام - من احتمال أن فرضه قران - لا قرينة عليه فيها، بل عليه إتمامه بمثل ما خرج منه.
ويمكن حمل النصوص المزبورة على الندب لعدم وجوب الدخول عليه بمثل ما خرج منه عدا واجب التعييني هذا إن قلنا بعدم اقتضاء قوله عليه السلام (يدخل) على الوجوب كما عن المستند، وأما إن قلنا بظهوره، في الوجوب آكد في البعث من الصيغة كما عن البعض، فالمتجه حملها على الندب والواجب التخييري أيضا، لعدم وجوب القضاء عليه فيهما في القابل، نعم يمكن أن يقال لا يجب عليه القضاء، ولكن إن قضى فليقضه مماثلة: كالصلاة النافلة التي لا يجب على المكلف إتيانها ولكن إذا أراد إتيانها فعليه إتيانها مع الطهارة كالفريضة، وحينئذ لا يمكن رفع اليد عن إطلاق النصوص، وحملها على الفرد الخاص، أو على إرادة الندب والواجب التخييري منها، بل المتيقن ما عليه المشهور ومنهم المصنف.
هذا أولا، وأما ثانيا حملها على الندب مخالف لما قاله الإمام عليه السلام في جواب السائل (لا) بمعنى أنه لا يجوز الدخول خلاف ما خرج منه، نعم إن كان فرضه التمتع وقرن للضرورة ثم أحصر أو صد لا يمكن الحكم عليه بوجوب القضاء في القابل قارنا لانصراف النصوص عنه، فيبقى على مقتضى الأصول.