شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٣٢
عمدوا في العبارة إلى اللسان الظاهر الذي يقع فيه اشتراك الخاص والعام، فيفهم منه الخاص ما فهم العامة منه وزيادة مما صح له به اسم أنه خاص، فيتميز به عن العامي. فاكتفى المبلغون العلوم بهذا.) أي، بلسان الظاهر. (فهذا حكمة قوله عليه السلام: (ففررت منكم لما خفتكم). ولم يقل، ففررت منكم حبا في السلامة والعافية) رعاية لجانب الظاهر ولسان العامة.
(فجاء إلى مدين فوجد الجاريتين (فسقى لهما) من غير أجر، (ثم تولى إلى الظل) الإلهي، فقال: (رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير). فجعل عين عمله السقى.) و (السقى) بدل عن (عمله)، أو عطف بيان. (عين الخير الذي أنزله الله إليه، فوصف نفسه بالفقر إلى الله في الخير الذي عنده.) إنما جعل عين السقى عين الخير الذي أنزل الله إليه، لأن الخير المنزل إليه كانت النبوة وعلومها. والماء صورة العلم - لذلك فسر ابن عباس، رضى الله عنهما، قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماءا). أي علما - فأفاض بعلمه على الجاريتين عين ما استفاض من الله تعالى في الحقيقة، وإن كان في الصورة غيره. ولأن التوفيق والقدرة بذلك العمل ما كان إلا من الله، فاستفاض ذلك منه وأفاض أثره عليهما، ووصف نفسه بالفقر إلى الله في الخير الذي عنده، لأن الفيض إنما يحصل بحسب الاستعداد، ومن جملة شروطه خلو المحل عما ينافي المعنى الفائض، بل عن كل ما سوى الله. والفقير التام هو الكامل المطلق من النوع البشرى.
(فأراه الخضر إقامة الجدار من غير أجر، فعتبه موسى على ذلك) بقوله: (لو شئت لاتخذت عليه أجرا). فذكره الخضر (بسقايته من غير أجر إلى غير ذلك مما لم نذكره.) أي، في، هذا الكتاب واطلعنا عليه في الكشف عند شهود الخضر عليه السلام.
وقد روى عنه أنه اجتمع بالخضر في الكشف. فقال له الخضر: كنت قد أعددت لموسى بن عمران ألف مسألة مما جرى عليه من أول ما ولد إلى زمان الاجتماع بينهما، فلم يصبر على ثلاثة مسائل منها قد (حتى تمنى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يسكت موسى، عليه السلام، ولا يعترض حتى يقص الله
(١١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1127 1128 1129 1130 1131 1132 1133 1134 1135 1136 1137 ... » »»