عند الشجر في اليم. فأراد قتله. فقالت امرأته - و كانت منطقة بالنطق الإلهي -) أي، كانت ممن أنطقه الله بالنطق الإلهي من غير اختيارها، كما قال تعالى من لسان الأعضاء: (أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ). وكانت مؤيدة من الله (فيما قالت لفرعون إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال، عليه السلام، عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران) أي، بحسب الغلبة. وهو إشارة إلى قوله، عليه السلام: (كملت من النساء أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة، وفاطمة، رضى الله عنهن). ولهذا الكمال قال تعالى في مريم: (وكانت من القانتين). فجعلها في زمرة الرجال. وصرح الشيخ في الفتوحات، في باب الأولياء: (إن هذه المقامات ليست مخصوصة بالرجال، فقد تكون للنساء أيضا، لكن لما كانت الغلبة للرجال، تذكر باسم الرجال.
(فقالت لفرعون في حق موسى إنه (قره عين لي ولك). فيه) أي، في موسى (قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلناه. وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله له عند الغرق.) وذلك لأن الحق تكلم بلسانها من غير اختيارها وأخبر بأنه قرة عين لها ولفرعون، فوجب أن يكون كذلك في نفس الأمر.
(فقبضه) أي، الحق. (طاهرا مطهرا، ليس فيه شئ من الخبث، لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام - والإسلام يجب ما قبله - وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله. فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. فلو كان فرعون ممن ييأس، ما بادر إلى الإيمان.) لما كان إيمان فرعون في البحر، حيث رأى طريقا واضحا عبر عليه بنوا إسرائيل، قبل التغرغر وقبل ظهور أحكام الدار الآخرة له مما يشاهدونه عند الغرغرة، جعل إيمانه صحيحا معتدا به، فإنه إيمان بالغيب، لأنه كان قبل الغرغرة. وهو بعينه كإيمان من يؤمن عند القتل من الكفار. وهو صحيح من غير خلاف (14) وإنما كان إيمان المتغرغر غير صحيح لظهور أحكام الدار الآخرة