شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٣٠
في الحال واستيلائه على النفس) أي، لغلبة حكم ذلك السبب القريب واستيلائه على نفس المحجوب.
(فكان الخوف لموسى، عليه السلام، مشهودا له بما وقع من قتله القبطي، (20) و تضمن الخوف حب النجاة من القتل. فقر لما خاف) في الظاهر (وفي المعنى ففر لما أحب النجاة من فرعون وعمله.) لأنه ما كان على طريق الحق (به) أي، بالفرار حصل النجاة من فرعون وعمله. لذلك قال له شعيب، صلوات الله عليه: (لا تخف نجوت من القوم الظالمين). تنبيها لسبب حركته.
(فذكر) موسى (السبب الأقرب المشهود له في الوقت) أي، في وقت الملاقاة معه (الذي هو كصورة الجسم للبشر. وحب النجاة تضمن فيه تضمين الجسد للروح المدبر له.) قوله: (الذي) صفة (السبب الأقرب). أي، هو كالصورة، وحب النجاة مدرج فيه كالروح، كما أن الصورة الجسمية متضمنة لروحها (والأنبياء، صلوات الله عليهم لهم لسان الظاهر به يتكلمون لعموم أهل الخطاب، واعتمادهم على فهم السامع العالم. فلا تعتبر الرسل، عليهم السلام، إلا العامة، لعلمهم بمرتبة أهل الفهم، كما نبه، عليه السلام، على هذه الرتبة في العطايا، فقال: (إني لأعطي الرجل، وغيره أحب إلى منه، مخافة أن يكبه الله في النار).) تقديره: أنى لأعطي الرجل مخافة أن يكبه الله في النار، والحال أن غيره أحب إلى منه. ومعنى (يكبه) يدخله فيها (21) وقال أيضا: (لو كان العلم

(20) - روى الشيخ العارف الكامل المكمل عن أمير المؤمنين على، عليه السلام، (في تأويلاته، سورة (طه)، ص 49) في مقام بيان تفسير آية الكريمة: (فأوجس في نفس موسى خيفة).: (لم يوجس موسى خيفة على نفسه، إنما خاف من غلبة الجهال ودولة الضلال). (ج) (21) - والحديث الذي ذكره الشيخ، رضى الله عنه، نقله البخاري عن ابن ثعلب، قال رسول الله، عليه السلام: (أما بعد، فالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل. والذي أدع أحب إلى من الذي أعطى، ولكن أعطى أقواما لما يرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن ثعلب). وفي حديث آخر، أخرجه ابن حنبل أحمد في مسنده، والنسائي عن سعيد، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إني لأعطي رجالا، وأدع من أحب إلى منهم، لا أعطيه شيئا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم). يكبه، أي، يلقيه ويسقطه في النار أو في البحر. في صحيح البخاري ومسلم قال رجل يوم حنين: (والله إن هذه القسمة ما عدل فيها ولا تريد بها وجه الله). فتغير وجه رسول الله، عليه السلام، ثم ذكر: (رحم الله أخي موسى قد أوذي بأكثر من هذا، فصبر). كان كلامه هذا شفقة عليهم ونصحا في الدين، لا تهديدا ولا تثريبا. اللهم العن حكاما سلطوا على الناس خدعة وبنوا بنيان تسلطهم على التهديد والتثريب وإرهاق دماء الأبرياء وجعلوا الدين وسيلة للسلطة ويلعبون بالكتاب والسنة
(١١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1125 1126 1127 1128 1129 1130 1131 1132 1133 1134 1135 ... » »»